للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لله جيش الفاروق!]

إن فلسطين ترى جيشنا لتشهد وهي اليوم على أرضها للمرة الرابعة أنه هو جيش رمسيس الثالث ببأسه ونجدته، وأنه هو جيش صلاح الدين بإيمانه وشدته، وأنه هو جيش إبراهيم ببسالته وجرأته، وأنه هو جيش الإسلام الذي ورد فيه القول المأثور: (إذا فتح الله عليكم بمصر فاتخذوا بها جنداً كثيفاً، فإن هذا الجند خير أجناد الأرض). والتاريخ الذي سجل لجيشنا الأصيل النبيل هذه الشهادة المقدسة، لا يزال يسجل ثَبَتَها بما ينقل من مساعيه الصادقة ومداعيه الخطيرة حقبة بعد حقبة. والواقع الذي جرى بالأمس ويجري اليوم، لا يزال يؤبد أن هذا الجند خير أجناد الأرض، لا لأنه قهر الحجاز ولم تقول على قهره تركيا، ولا لأنه فتح عكا وقد عجز عن فتحها نابليون بجيش فرنسا، ولا لأنه سحق الجيش التركي بقيادة (مولتكه) في نصيبين ولم تستطع سحقه روسيا؛ ولكنه خير أجناد الأرض لأنه خرج من أسر إنجلترا سليم الروح، نقى الجوهر، صليب العود، شجاع القلب، شديد الطماح، بعد خمس وستين سنة قضاها في قبضة المحتل، غريباً في وطنه، بعيداً عن حصونه، مجرداً من سلاحه، تساومه سيطرة الإنجليز على عزته، وتراوده رخاوة الكسل على حميته، وتغالبه دعة الفراغ على بطولته. وبأيسر من بعض هذا انكسر بأس الجيش الفرنسي فخر على أقدام الألمان مبذول المقادة، ضارع الخد، لا يحفزه حافز من ذكرى جان دارك، ولا يحجزه حاجز من مجد نابليون.

كان الشامتون والمتشامتون يقولون إن الاحتلال صير مصر امرأة، لها الزينة والمتاع، وعلى عشاقها النفقة والدفاع، حتى زين العبث لبعض الساسة في الزمن الأخير أن يزوجها من إنجلترا زواج الأبد لتضمن الكاسب وتأمن الغاصب. وجعل الإنجليز منذ مُنى باحتلالهم واذي النيل يمكنون لهذه الفكرة الخبيثة من نفوس الشعب، فيزعمون أنهم دخلوا مصر ليحفظوا العرش، وأنهم احتلوا مصر ليحملوا البلاد، حتى أنسونا ونحن عشرون مليوناً أننا زعزعنا عرش الخلافة ونحن مليونان ونصف! ثم عملوا لدوام هذه الحال، فسرحوا الجيش، وزيفوا التعليم، وعاثوا في النفوس، وعبثوا بالضمائر، وسلطوا الأهواء على عقول الخاصة، والأدواء على جسوم العامة، حتى إذا حسبوا أنهم بلغوا ما أرادوا انتفضت الأمة المقبورة فزال الكفن وذهب العفن وفار الدم الحر وثار التاريخ المجيد، واستهلّ وعينا القومي في مٌلك فؤاد وحكم سعد، ثم بلغ رشده في ملك فاروق وحكم النقراشي. ثم جاءت

<<  <  ج:
ص:  >  >>