اختلط حابل الطرواديين بنابلهم، وظلوا يهرعون إلى الأبواب حذر الموت الذي يتلقفهم عن شمائلهم وعن أيمانهم، ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم، كأنما جثمت المنايا في كل خطوة فهي لهم بالمرصاد. . . طالما يكر أخيل هنا ويفر هناك، وتكر من خلفه وتفر شياطين الميرميدون، صائحين متهدجين:(يا لَثارات بتروكلوس!)
ووقف أبوللو وهو يتميز من الغيظ يشهد المعركة، ويرى إلى أخيل يحصد تلك الرؤوس اليانعة التي لم يحن بعد قطافها، فلم يملك أن دنا منه وقال:
(على رسلك يا ابن بليوس، فكأني بك ما كفاك من صرعت حتى لتحدثك نفسك بقتال الآلهة، ومحاربتي أنا من دون أرباب الأولمب خاصة! ولكن هيهات! فإنك لابد يوماً ذائق الموت الذي لن يذوقه إله في الأرض ولا في السموات. . . فاقصد في تقتيل هؤلاء الأبرياء، ولا يغرنّك نصر قد تكون في آثاره هزائم. . . . . .)
وعبس أخيل عبوسة قاتمة، ثم نظر إلى أبوللو مغضباً وقال:(حسبك يا سيد الشمس ما ضيعت من جهود، وما فوّت عليّ من ثارات. . . أعرج في سمائك الشاسعة، ودع بني الموتى يصطرعون من أجل المجد والشرف. . . لقد أنقذت خصمي من قتلة محققة، فهل يا ترى تظل يا سيد الشمس تعترض طريق الأقدار، ليمرح في كنفك الفجار الأشرار؟. . .)
وانطلق أخيل يعدو في أثر هكتور؛ وكان هكتور قد أخذته العزة فأبى أن ينجو بنفسه فيدخل المدينة مع الداخلين
وكان بريام، الملك الشيخ، يشرف على الساحة الحمراء من أحد أبراج مدينته، فرأى ابنه واقفاً في إحدى حنيّات الأسوار يستجم، ويرسل في رهج الميدان عينين سادرتين محزونتين، تشفان عن قلق عميق، واضطراب دوي، فريع الأب المفئود، وزلزل زلزالاً شديداً، وطفق يئن أنيناً عالياً، ويدرب صدره الموهون بيديه الواهيتين، ثم يصيح بابنه أن