كان مما لابد منه لمن يكتب في الإصلاح الديني والأزهري أن يستضيء برأي الإمام الذي هيأه الله واختاره التوفيق لزعامة الثقافة الإسلامية في أشد العصور افتتاناً بالعلم وامتحاناً للعقيدة وهزأً للشعور واستعداداً للتطور
والأستاذ المراغي إذا قيلت كلمة الحق فيه إمام هذا العصر بإعداد من الله تجلى في فهمه الدقيق لرسالة دينه، وإدراكه الصحيح لحاجة عصره، وعلمه الراسخ بطبيعة قومه، وملكته السليمة في أدب لغته، وأفقه الرحيب لاقتران المشكلات الاجتماعية فيه تحت ضوء من الفكر الثاقب يبدد عنها ظلام الإشكال فترجع إلى طريقها الواضح من الدنيا أو الدين. وآية المصلح الديني في الإسلام علمه بأن رسالة الدين هي إصلاح الدنيا، وعمله لتوجيه الحكم والسياسة والاجتماع إلى الخطة التي رسمها الحق للحق في دستوره السماوي الخالد
دخلت على الإمام المراغي مكتبه العظيم الفخم في إدارة الأزهر منتصف الساعة الثانية، وكانت الأصوات والحركات قد خشعت في المكاتب والمسالك، فساعدتني الحال على الظفر بجلسة طويلة مع الإمام لم يقطعها عمل ولم يكدرها زائر
تلقاني شيخ الشيوخ بوجهه المنبسط وبشره الرزين، فسهّل علىُّ أن أجد نفسي وأتسرّح في حديثي وأراقب انعكاس الإشراق الروحي على ملامحه الناطقة فأفهمه من قرب. وللمراغي إشعاع على محادثه عجيب؛ وهذا الإشعاع دائم الانبثاق من عينيه وشفتيه فلا تنفك المشاعر منه في غَمر من الإعجاب والإجلال والحب مهما توثقت الألفة وزالت الكلفة وطال الحديث. وأشد تأثير المراغي على النفس القابلة ينبعث من سر نظرته وسحر بسمته ولهجة حديثه وحلاوة جرسه وفصاحة منطقه. أما توقد ذهنه ولطافة حسه ووزانة قوله ورصانة عقله وسراوة خلقه، فتلك خصائص شخصيته وفضائل نبوغه
لا أستطيع أن أنقل إليك نص حديث تدفق وتشقق في ساعة ونصف، ولا أريد أن أقطع سرده بما سألت أو أجبت، فإن همك وهمي أن نسمع إلى الأستاذ. فأنا أروي لك خلاصة الجانب العام من الحديث على اطراد وتساوق لتصل إلى وجه الرأي من أخصر طريق
قال الأستاذ الإمام وقد تزاور عن مكتبه واتجه بكرسيه الدوار إلَّى:
لقد سرني أن تتجه الرسالة إلى معالجة شؤون الأزهر، فإن في النقد الخالص من الهوى حثاً للهمم الوانية، وتذكيراً للنفوس الغافلة؛ ولكني أحب أن يكون النقد على خلوصه رفيقاَ