مما يؤسف له أن يقف الناقد بين فترة وفترة ليرسم طريقه، ويحدد أهدافه، ويعلن عنها للقراء! ولكننا في دور يفوعة أدبية، فلا مفر من الوقوف عند هذه البديهيات. ولعل مما يعزى عن ضياع الوقت والجهد في هذه الوقفات - وإن كان موضع أسف جديد -، أن الناقد في الشرق العربي، لا ينهض لتصحيح مقاييس الفن وحدها، ولكنه ينهض كذلك لتصحيح معايير الأخلاق!
وحينما تصديت لعمل (الناقد) كنت أدرك - كما قلت مرة -: (أنني لن أخرج من بين المؤلفين بكثير من الأصدقاء! فالفنان - بل الإنسان عامة - لا يرى في الغالب إلا الصفحة الجميلة في نفسه، لأن هذا الجانب هو الذي يسره ويلذه، ويملق كبرياءه ويغذي غروره. فإذا ووجه بالصفحتين جميعاً، فوجئ بالصفحة الأُخرى التي يراها لأول مرة، وحسبها تزويراً عليه. وحتى لو اقتنع بأنها صفحة، فإنه لن يستريح لعرضها على نظره وأنظار الناس)!
ومن يومها وأنا أفقد الأصدقاء واحداً إثر واحد، لأكسب عدداً معادلاً من الخصوم! بل عدداً أكبر لأنني أضم إليهم كل يوم خصوما. . . ولكنني أعاهد القراء على أنني سأمضي في الطريق؛ فحسبي أن أعوض ما أفقد من بين القراء المحايدين وهم بحمد الله كثيرون!
ولقد احتملت منذ أشهر فقد صديق عزيز مقابل مقالة نقد، أعطيته حقه فيها من تطفيف!
ولابد أن يحتمل المرء ما يأسف له من الهنات الخلقية في هذا السبيل أيضاً، فلبعض المؤلفين حاشية خاصة، وظيفتها التهليل والتكبير لكل ما يخرجون من أعمال، والدفاع - بكل أنواع الأسلحة - ضد النقد الحر، إذا استطاع ناقد أن ينفذ من هذه الشباك!
ولقد رماني الحظ أخيراً في وقعة من هذا النوع! فلم يكن بد من أن يصيبني رشاش من هذه الهنات، وإذا كنت قد أسفت على شيء، فعلى أنني لم أكن عطوفاً عليها وأنا أفهم بواعثها