تقدم الجمعية التاريخية هذا الكتاب لعبد الحميد العبادي بك عميد كلية الآداب. والكتاب يقع في أكثر من مائتي صفحة ويحوي دراسات قيمة مبتكرة في العصر الأموي: أنشأها صاحبها صوراً، وارتفع بها عما في أسلوب الدراسة العلمية من إملال أحياناً، وأخرجها في ثوب أدبي ممتاز فذ. والعبادي بك جيد الطريقة، جامع في أسلوبه التاريخي بين بلاغة الروايات القديمة، وبين الأسلوب العلمي الدقيق في العصر الحديث.
ولاشك أن الجمعية التاريخية وفقت التوفيق كله في تقديم هذا الكتاب إلى العالم العربي؛ لأنه كتاب المؤرخ المصري الأول في العصر الحديث، ولأنه على الأخص يصور أمجد العصور في تاريخ المسلمين. ولعل الجمعية حين اختارته أحست بحاجة العالم العربي في نهضته الحديثة إلى احتذاء ساسته الأقدمين في سعة آفاقهم، وشمول نظراتهم، وجلال فعالهم، وحرصهم على الإصلاح، وسعيهم إلى الصدارة بين الأمم.
والواقع أن القارئ يحس توثب المؤرخ العميد في حماسته للعصر الأموي، ويحس حرصه على أن ينتفع الجيل الحديث بالتراث العربي القديم. فانظر مثلا مقاله عن بحر الروم، تر كيف كان البحر جزءاً من نفسه، ومجالا لمجد العرب، ومعقد آمال الجيل الحديث. ثم اقرأ:(أيها المصريون. . . لقد استرهنكم المستعمر الأرض، ووضع في أعناقكم أغلالا وفي أقدامكم قيوداً ولا خلاص لكم في ذلك الرق المضروب عليكم إلا بركوب متن البحار؛ هنالك تنشقون فوق ثبج الماء ريح الحرية الصحيحة، وتبرأون من علل أورثكموها لزوم البر أحقاباً طوالا؛ هنالك تنبعث مصر الحرة حقاً، مصر الحديثة حقاً، مصر العظيمة حقاص). ثم شيء آخر تحس أن المؤلف يدعو إليه دعوة صادقة: تلك هي الدعوة إلى استلهام الطبيعة لأنها أصفى من يهدي إلى صالح التقاليد. وكأن المؤرخ إنما ردد بعض أفكار روسو حين قال: (الصحراء تبعث في نفوس أهلها وعشاقها الرجولة الكاملة،