وقف اليهودي على أحد آطام يثرب ناظر إلى السماء يعلن إلى بني قومه ميلاد النبي في صيحة مدوية: طلع الليلة نجم أحمد! عجبا من العجب! أحقاً لم ير ذلك اليهودي نجم أحمد قبل تلك الليلة؟ يخيل إلي أن الناس في ذلك الزمان كانوا يسيرون مطرقين كالعميان. إن نجم أحمد طالع في كل لحظة يشع نورا من بداية الكون لو أن للكون بداية، إلى نهاية الزمن لو أن للزمن نهاية. نجم أحمد هو الحق. والحق لا يبدأ ولا ينتهي. ولا يظهر ولا يختفي. أنه موجود
إذن ما الإسلام؟ وكيف ظهر الإسلام بظهور محمد، والمسيحية بظهور المسيح؛ واليهودية بظهور موسى؟ هنا لزم التفريق بين الحق وثوب الحق. بين المعنى والأسلوب. ما الإسلام إلا أسلوب من أساليب الحق. ورداء من أرديته. كذلك المسيحية وكذلك اليهودية. وكذلك كل دين من تلك الأديان السماوية التي تتحد في الجوهر وتختلف في المظهر: وهنا نستطيع أن نفاضل بين الأساليب؛ وهنا فقط يجوز لنا أن نفاخر بالدين الأخير، إذ جاء بأسلوب جامع مانع، سهل ممتنع، محكم الوضع، مصقول التراكيب. فالمفاضلة لا تكون في الجوهر، لأنه واحد أحد؛ إنما المفاضلة في الأثواب
وهنا يخطر على البال سؤال: هل تجوز المفاضلة بين الأثواب وهي كلها من صنع الخالق المعصوم الذي لا ينبغي أن يخطئ ولا أن يصحح ما سبق أن صدر عنه. أو أن جوهر الحق وحده من شان الله، أما الأسلوب الذي يعرض به على الناس فهو من شأن الرسل والأنبياء؟ قبل الإجابة على هذا السؤال يجب النظر في قضية أخرى: هل للطبع والمزاج والخلق الذي ركب عليه النبي أو الرسول أثر في أسلوب رسالته؟ هل شخصية الرسول تطبع بخاتمها شكل الدين الذي يدعو إليه؟ وهل لظروف العيش التي نشأ عليها النبي دخل في اتخاذ (القالب) الذي أفرغ فيه (موضوع) النبوة؟ إن أجب على كل هذا بالإيجاب فإن التبعة في (أسلوب) الأديان تقع بلا مراء على كاهل الأنبياء. والنبي إذن مسئول عن الطريق الذي اتبعه للإبانة عن (الحق) مسئولية ملقاة على (شخصيته) التي صبغت الشريعة بصبغتها. وعلى قدر المسئولية تكون العظمة؛ وعلى قدر (الشخصية) ذات الوجود الفعلي