إنّا سلالة أمة تباهي بتاريخها الأمم، فمن الواجب علينا أن نلم بذلك التاريخ المجيد، ونستعرض صوره، لنمكن حلقة من تلك السلسلة الجميلة الغالية، التي تصل بيننا وبين القدم، وتقربنا إلى آبائنا الكرام، أولئك الذين بنوا المجد وشادوه، واستذلوا الزمان وأخضعوه، واكرهوه بباهر أعمالهم على أن يسجل أسماءهم في ديوان الخالدين.
ولقد رأيت أن استمد ذرائع الاتصال والقربى بالتغلغل في قرارة الماضي السحيق، للإحاطة بحياتهم الأدبية، بحيث نستطيع أن نلمس فيها زمانهم وبيئتهم، ونلمح قبساً من نظرياتهم في الوجود، وما اتخذوه لأنفسهم فيه من نظم الاجتماع والسياسة، والدين والأخلاق، لعلنا نتدرج من هذا كله إلى إقامة الدليل القاطع، على سمو المنزلة التي بلغها الأدب المصري القديم، ودحض ما رمى به من النقص والقصور. وقد كان علماء المستشرقين إلى منتصف القرن التاسع عشر يعتقدون أنه قد خلا من القصص وطول العبارة، وانسجام التفكير واستمرار الخيال، وافتقر إلى الفلسفة والنظريات. والواقع أن الأدب المصري القديم كان حافلاً بالثروة المعنوية، وافانين القول، وكان متعدد الفروع والأبواب حتى أنه لم يترك فرعاً إلا تناوله، خلا فرع الشعر التمثيلي. ويرى الدارس للكتابات القديمة خصائص بارعة تميزها عن باقي آداب الشعوب السامية لما يتجلى فيها من حسن الوصف، وكمال الصوغ، وبساطة التعبير، وطلاوة اللغة ومتانتها، وسهولة الألفاظ ورقتها، في إمتاع جزل بليغ. ولقد كان من اظهر تلك المميزات، الوضوح والاستقامة، وأناقة الأسلوب، وروعة التركيب، وجودة المقاطع، ونصاعة المبنى، وإيجاز المعنى وإصابته. على أن هذا الإيجاز كان ينتهي بالكاتب الضعيف في أحايين إلى السخف والعي والركاكة. غير أن الكاتب الأريب، كان يستطيع بقليل من التفنن أن يصور سجية من السجايا. وضاءة الجبين إذ يصف عاطفة من العواطف، قدسية الجوهر سافرة المحيا ولم يكن للكاتب المصري ند في حسن اختيار الألفاظ ووضعها في المكان الملائم لها في الجملة، فأنت تراه يكتب كمؤلفي هذا العصر المجيدين دقة ورقة ومتانة وظرفاً، ويمثل لك الحياة كما تقع في صورة كلامية لا تقل تأثيراً وإبداعاً عن الصورة اللونية المتقنة، فإذا نزل بك إلى ميدان السياسة، تجده يصف لك