دكتور في الفلسفة والعلوم الاجتماعية من جامعة برلين
ومدرس بكلية الشريعة
هكذا نرى أن التشريع الإسلامي هو محور الدائرة التي تدور حولها حركات الإصلاح والتجديد في الإسلام، والباب الذي ينفذ منه المصلحون لتجديد الحياة الإسلامية تجديداً عملياً، وأن مسألة كون الإسلام قابلاً للإصلاح والتجديد والرجوع به شاباً قوياً إنما تقوم على مسألة أخرى: وهي هل من الممكن التخلص من أشكال قديمة جامدة في الفقه الإسلامي؟
وإذا ما أردنا أن نحدد البحث تحديداً أدق لنتعرف العامل الأول الذي أملى على المصلحين إصلاحهم وجرهم إلى التفكير في ذلك فلا يسعنا في حدود المؤرخ الديني أن نفكر أن ذلك يرجع إلى الأصل المعروف (الإجماع) ذلك الأصل الذي صبغ الفقه الإسلامي بما لم يصبغه به غيره، ودعم به أهل السنة وجهات نظرهم تدعيماً لم يقبل النقض. وهو في حقيقة الأمر المفتاح الذي نفهم به تطورات الإسلام في علاقاته المختلفة في العقائد والتشريع والسياسة، فما تقبلته الأمة حقاً وصدقاً فهو حق وصدق، وما لا فلا؛ ويكون صحيحاً فقط في الشكل الذي يعطيه له الإجماع، حتى تفسير القرآن الكريم والسنة يكون صحيحاً منه ما يقابله إجماع الأمة، والعقائد - تلك التي خضعت لكفاح قاس في أول الأمر - أصبح موافقاً للدين منها ما ختم عليه الإجماع بخاتمه النهائي. وهؤلاء الرجال وهذه الكتب تعتبر إمامتها إذا أعتبر هذه الإمامة إجماع المسلمين. وهكذا نرى أن الإجماع قد لعب دوراً هاماً في الإسلام بما لم يقم به مبدأ مثله. ومن المعروف أن هذا الإجماع لم يأت نتيجة اجتماع منظم، وإنما كانت دائرته أول الأمر الإحساس الجمعي والرأي العام وصوت الأمة.
وقد حاول العلماء حدّه زماناً ومكاناً أوردّه إلى إجماع الصحابة أو علماء السلف من أهل المدينة أو الحرمين؛ ولكن هذه المحاولات شيء ومظاهره المختلفة التي رأيت شيء آخر.