للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مؤتمر القلوب]

للأستاذ محمد السيد زيادة

بقية المنشور في العدد ١٢٧

وبقيت حزيناً مطرقاً أتفكر في أساليب الشقاء على الأرض حتى أخرجني من الحزن قلب رأيته حائراً بين القلوب موزعاً عليها مجنحاً فوقها!! يجد قلباً آسيا فيميل إليه مشفقاً عاطفاً يسأله عن قصته ثم يواسيه ويعزيه، ويظل مائلاً إليه بشفقته وعطفه حتى يتأكد أنه خفف عنه بعض ألمه. ثم يتركه ويمضي في المجتمع نائحاً يردد في نوحه صدى القصة التي سمعها من ذلك القلب، ويذيع سرها منمقا، ويصورها مجسمة ليتأسى صاحبها ويستعبر سامعوها. . ثم يصادف قلباً آخر متربة فيبذل له قسطه من دموعه ومن عزائه، ثم يمضي إلى سبيله في المجتمع موضحاً ما غمض شارحاً ما تعقد. وهكذا رأيته كالطائر الغريد يقضي كل وقته متنقلاً بين الأدواح والغصون يتسمع الهمس والنبض والأنين، ويتغنى بما يصل إلى حسه من شجو القلوب وأساها، فيصرف في ذلك راحته وهدوءه. ويتهافت على ذلك كأنما هو يؤدي وظيفة يحتم عليه الواجب أن يؤديها.

قلت: قلب من هذا القلب المؤمن العطوف الذي يعذبنفسهفي راحتنا، ويصب علينا من مشاعره حنانا ورحمة، وينساب بيننا كما ينساب الجدول في الحديقة بين مختلف الزهور يغيث منها الظامئ، وينعش الذابل، ويرقص المنتعش؟.

قالوا: هذا قلب شاعر. . . وما خلق الشعراء إلا رحمة للعالمين. . . قلب كريم يتعذب بين الناس بحنانه، ليزرع الحنان في قلوبهم بعذابه؛ فترينا حياته كيف تكون حياة الملائكة إذا صاروا من بني الإنسان. إن في أحنائه لعالماً فسيحاً تمتزج فيه آلام الناس بآلامه هو فتكون كتلة واحدة من الألم يتفجر من بينها ينبوع فوار من الرحمة ينهل منه كل بائس.

لكأنما هو مكلف باستخراج مصيبة لنفسه، من كل مصيبة تنزل بغيره، أو مرسل من عند الله لتخفيف أشجان مخلوقاته. فكم يفتش في مناحي الحياة عن مآسيها وعبرها ليتحمل نصيباً منها! وكم ينقب في أغوار الكيان عن خفاياه ومكنوناته ليحدثالناس عنها! وكم يكد ليخلق من كل ما حوله جنة لكل من حوله!.

ولما أنى للمؤتمر أن يبدأ عمله وجدت قلب الشاعر أظهرنا اهتماماً، وأشدنا فرحاً، وأكثرنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>