وكان قد انتصف الليل عند ما توجه زارا إلى أكمة الجزيرة وهو يجد في السير ليبلغ الشاطئ الآخر عند بزوغ الفجر إذ كان يقصد الإبحار من هذه الجهة حيث ترسو بعض المراكب لتقل طلاب المهاجرة من الجزر السعيدة
وتذكر زارا الرحلات التي قام بها منفرداً منذ صباه فمرت بمخيلته رسوم الجبال والتلال والذرى التي تسلقها في حياته فقال: (ما أنا إلا رحالة ومتسلق مرتفعات وما تستهويني منبسطات الأرض ولا يستقر بي مقام. ومهما قُدّر عليّ ومهما وقع لي فلا تعدو الحوادث أن تكون في نظري رحلة واعتلاء. فما لي أن أرى من الآفاق إلا ما انطبع منها في نفسي. ولقد مضى الزمن الذي كان لي فيه أن أتوقع الحوادث من خطرات الحظ. وهل لي أن أنال من الدهر شيئاً لم يستقر في نفسي من قبل؟
إن كل ما يطرأ عليَّ بعد الآن إنما هو ذاتي العائدة تكراراً بعد انفراطها وتمازجها في الأشياء وتصاريف الزمان. غير أنني أصبحت الآن على مدرج آخر الذرى أمام أصعب مسلك ما اقتحمت مثله في حياتي، فأنا أبدأ الآن أشد رحلاتي عناء وأرعها وحشة
وأنىّ لمثلي أن يتجنب مثل هذه الساعة التي تهتف قائلة: إنك على مبدأ طريق المجد حيث تتداخل الذرى في المهاوي. أنت تسير على هذه الطريق وكنت تراها قبلاً آخر ما تقتحم من أخطار فأصبحت لديك آخر ملجأ تهرع إليه
إنك تسير على طريق المجد فعليك أن تتذرع بالحزم الأوفى لتقطع بنفسك خط الرجوع على نفسك
إنك تسير على طريق المجد، فأنت منفرد عليها لا يزحمك أحد من ورائك، وقد محت أقدامك آثار خطاك على ما وراءك من المسالك، ولاحت كلمة المستحيل بعينيك على آفاق هذه الطريق