للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الذكرى الرابعة لشاعر البادية]

الشيخ محمد عبد المطلب

للأستاذ فايد العمروسي

الذكرى لا تتسع لدراسة أو تحليل، وحسبها أن تكون للقراء خاطرة وفاء، ونفحة تقدير؛ وعبد المطلب أحد شعراء العربية الذين خلفوا لنا تراثا ممتازاً يضاف إلى تراثي المرحومين (شوقي) و (حافظ)؛ غير أن هذا الرجل عاش مغبوناً، ومات مغبوناً، شأنه شأن (حافظ) بعد موته، فلم يفز ديوانهما بما كان ينبغي من عناية وتقدير، اللهم إلا مقالات كتبها كاتب هذه الكلمة في جريدة البلاغ بعد صدور الديوان في الجو الأدبي، وليس هذا بكاف في تقدير الأدباء للشعر، وخاصة لأعلامه وفحوله النابغين. والناظر إلى عبد المطلب لا يعرفه في ديوانه فحسب، لأنه ديوان ذو روح خاص، واتجاه صبغته الصنعة في أكثر مقاصده من فخر وحماسة وشكر ومديح وغزل ونسيب. . الخ وهذه ظواهر ما كان له أن يتخلى عنها وأن حاول، وما كان للفترة التي عاش فيها غير هذه المقاصد الشعرية تمشياً مع ميول الحياة التي ترغم الشاعر أن يتلون بلونها، والتي تكوِّن العناصر الأولى لفكره وخياله!

وقد كان رحمه الله شخصية عربية صميمة، تنبئ مظاهره الخلقية أنه من سكان نجد أو الحجاز، في ضآلة من الجسم، وقليل من القصر المتزن، تنطوي هذه الضآلة على قوة الأسد في عرينه، تبدو بها عيناه الواسعتان البراقتان اللتان تفيضان قوة وثقة واعتزاز؛ وكان ذا نفس أبيّة، وضمير حي، وشعور متقد، وإحساس صادق، يهيج لأتفه أسباب الخلاعة أو اللهو، فينفجر بأشد ما تكون الخلاعة قسوة وإيلاماً؛ وكان رجلاً بأسمى ما تكون الرجولة صفاء ونبلاً، رجلاً جم العطف، وافر الرحمة فياض الحنان. ولقد رأيته - رحمه الله - أكثر من مرة يسكب الدمع من عينيه لأمور لا تهيج عواطف الناس، ولكنها تهيج ذوي النفوس السامية، والإحساس المرهف القوي.

وشخصيته على ما كان فيها من خشونة البداوة كانت تذوب رقة وحناناً، وتفيض عطفاً ووداعة؛ وديوانه حافل بصور من هذه العاطفة التي فتشت في نواحي المجتمع المصري فعالجته بأثمن النصائح وأغلى الحِكم؛ وكم ودَّ تطهير النفوس، وتهذيب الوجدان، وصقل الإدراك؛ وكم ودَّ الرقي بالإنسان إلى درجات العفة والصفاء. وما أشبه الثلاثة بعضهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>