للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مصر العربية]

للأستاذ أحمد رمزي بك

كتب أبو حيان التوحيدي عن العرب بعد أن شملتهم الدعوة النبوة والشريعة فقال: (قد رأيت كيف تحولت جميع محاسن الأمم إليهم. وكيف وقعت فضائل الأجيال عليهم، من غير أن طلبوها وكدحوا في حيازتها أو تعبوا في نيلها، وهكذا يكون كل شيء تولاه الله بتوفيقه وساقه إلى أهله بتأييده). وتلك حال مصر العربية من يوم أن دخلها عمرو بن العاص وصحبه منقذين ومخلصين، يحملون أعلام الحرية لا فاتحين وغزاة. فهذه البقعة من الأرض التي خاطب أهلها عمرو من مسجده العتيق بالفسطاط فقال لهم: (اعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم، تتجه قلوبهم إليكم، وتتشوق إلى دياركم معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية).

قد خط الله لها في سجل قدره وإرادته أن تكون من المبدأ قلب العروبة، فهيأ لها أن تجتمع محاسن الأمم إليها وفضائل الأجيال عليها، ومهد لها أن رجالا أتوا إلى الوادي لخدمته، بعبقريتهم سيوفهم، وكان أن صمد أهل مصر طول القرون الماضية وهم في رباط دائم، يخدمون الإسلام والعروبة بعلمهم وفكرهم، ويذودون عن الإسلام ونفوذ المسلمين بأيمانهم وسيوفهم، ألم تقم دولة آل طولون بما تعهدت به للدولة العباسية من حماية الشام وأهله والعواصم والثغور في طرسوس وما حولها؟ ألم يدرك المرض الأمير أحمد بن طولون في أنطاكية وهو عائد من جهاده ضد الروم في آسيا الصغرى ليموت بمصر؟

تلك سنة الله التي اختطها لأهل مصر في الأعصر الخالية، فكتب عليهم القتال والجهاد والشهادة وحملها لهم أمانة لجند مصر وأمرائها وملوكها، فما وهنت أعناقهم عن حملها، وإنما ساروا بها لألف سنة والنصر يواتيهم، والشهادة تلاحقهم، وكتبوا بدمائهم صفحات من المجد الخالد، يعرفها كل من اطلع على تاريخ مصر العربية الإسلامية وشوكتها أيام استقلالها وعظمتها كما اعترف بها كتاب الغرب الذين كشفوا بأبحاثهم عن معارك الحروب الصليبية، وإن ود كثير منهم أن يطمسوا الحقائق وتبعهم فريق منا يحاول التقليد ليخفى من أثر مصر وجهادها في تاريخ الإسلام والعروبة.

إننا في حاجة دائماً إلى من يذكرنا بمواقف مصر وجهاد أهلها السابق؛ لأن هذا التاريخ

<<  <  ج:
ص:  >  >>