للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ثورة في الأخلاق]

للأستاذ محمد يوسف موسى

(تتمة)

على أنه ما بالكاتب من حاجة إلى الإلحاح في بيان أن هذا الزهد البالغ الذي يدعو إليه مذهب الغزالي ومن نحا نحوه لا يتفق والدين والعقل، وأنه من معوقات الأمة عن النهوض. لا يحتاج الكاتب لشيء من هذا، فإننا شغلنا بالدنيا حتى لا يخطر لنا الزهد فيها على بال، ولكنا في حاجة لبيان أن بعضاً من الفضائل التي دعت إليها تلك المذاهب وأكبرت من شأنها لا تعد اليوم من الفضائل في شيء، بل بعضها انقلب بسوء الفهم والتطبيق إلى رذائل، وصار أحجار عثرة في طريقنا للرقي والنهوض.

وحسبي أن أمثل لهذا بصفة القناعة

لقد اتفقنا منذ عصور طويلة على أن القناعة فضيلة، وقلنا في بيان مكانتها إن القناعة كنز لا يفنى، فكانت العاقبة شراً ووبالاً على الشرق ومنه مصر!

قنع الفلاح بغلة ما ورثه من الأرض فلم يغير - إلا قليلاً - من طرق استغلاله لما يملك، ولم يعمل بجد على تنمية ثروته، قانعاً بما يرزقه الله من دخل لا يزيد عن معيشته معيشة الكفاف!

وقنع الصانع بأجره اليومي الذي لا يرتفع به في حياته إلا قليلاً عن مرتبة الحيوان، فلم نجد من صناعنا إلا خولا وأُجراء لأصحاب الأعمال الغربيين الذين وضعوا أيديهم على أكثر موارد ثرواتنا، والذين استغلوا ما يحيط بنا من صحارى فيها الزيت والحديد والذهب والمعادن الأخرى!

وقنع جمهرة تجارنا بالربح الزهيد الذي يتبلغون به من يوم ومن عام لآخر، فقلّ منهم المغامرون أصحاب المتاجر الضخمة الواسعة!

وإذا تجاوزنا الحياة المادية للحياة المعنوية، وجدنا الحال أمر وأدعى للألم. فقد قنعنا بما ورثنا عن الأسلاف من علم فلم نحاول أن نزيد فيه، بل لم نعمل على تمحيصه! وإنما قنعنا بما وصل إلينا من كتب ومؤلفات، فأقبلنا على دراستها دون أن نجعلها أساساً نبني عليه، حتى صار منا ونحن في القرن الرابع عشر الهجري من يعيش بعقلية القرون الوسطى!

<<  <  ج:
ص:  >  >>