وقع الخضر في كشكوله من (الرسالة) يقول أنه لاحظ أنني كلما أخرجت كتاباً كتب عنه الأستاذ عبد الغني حسن، وأن العكس صحيح، يريد أنه كلما أخرج كتاباً أو ديواناً كتبت عنه. والتوقيع على إيجازه وإن كان صحيحاً يحمل معنى التعجب، أو هو خبر ينطوي على استفهام، وإشارة تحتاج إلى تفسير وبيان.
وبيان هذا التبادل أنه دليل على الصداقة أو هواية الأخوة. ولكاتب التوقيع أن يعجب في زمن أصبحت فيه الصداقة أندر من الكبريت الأحمر، فإذا رأى أحد شخصين قد ائتلف قلباهما على محبة، وقامت العلاقة بينهما على المودة، لفت ذلك نظره لغرابته وشذوذه، وبعده عن المألوف، وانفراده من المتعارف الشائع المعروف. ولقد حكى الحكماء أن المستحيلات ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي. فإذا كان الخلان الأوفياء قد عز وجودهم في قديم الزمان، فوجودهم أعز اليوم وأندر، مع فساد الزمان، وانتشار موجة المادية، والتمسك بأسباب الدنيا ومتاعها وزينتها ومنافعها.
فإذا عثر الإنسان على الصديق كان كالذي اهتدى إلى المستحيل وعثر على كنز ثمين. وقد قوموا الناس بالمال، فوزنوا مهرجا الهند، وقدموا المهور إلى الحسان، ولكن الصديق الحق إذا أخلص وبرئ على المصلحة، كان أثمن من الذهب فلا يقومه مال ولو عد بالملايين. وللعامة من الناس تشبيه مادي طريف، قالوا: الناس أجناس، ذهب وفضة ونحاس، أما الإنسان الذي كالذهب فكلما عبر سنوات الزمان زاد جوهره ولم تنقص نفاسته ولم يذهب بريقه أو ينطفئ رونقه. وأما الإنسان الذي كالنحاس فإنه يخدمك بمنظره هو المعدن الخسيس تطليه فلا يلبث أن يصدأ، وتجلوه فيأتي الجلاء ويعود إلى الانطفاء والصدأ، وهذا هو جوهره لا يستطيع عنه حولاً، أو نحيزته لا يستطيع لها تبديلاً. ولذلك كان العثور على الصديق الصادق عسير المنال لقلة الذهب وكثرة النحاس، والناس كذلك منهم النفيس ومنهم الخسيس.
والصديق الذي كالذهب تعتز بصحبته، وينفعك في محنتك، ويقبل عليك في وقت شدتك، ثم تأمن إلى جانية وتركن إلى معونته، وتفضي إليه بحملة نفسك وأنت مطمئن إلى حفظ السر