سيدة امتلأت كرما ونبلا وفاضت شجاعة وحماسة وازدانت بكل ما يزين المرأة من قلب رقيق وحساسة قوية وعطف شديد، كما تحلت بإقدام الرجال وحزمهم.
خرجت هي وزوجها زيد بن عاصم وولداها عبد الله وحبيب في ذلك النيف والسبعين من الأنصار يوم العقبة الثانية يريدون رسول الله المصطفى يبايعونه مستخفين لئلا يؤذيهم الجاهلون، فبايعوه والناس نيام في ثلث الليل الأخير في اليوم الأوسط من أيام التشريق من السنة الثالثة للبعثة؛ وعادوا إلى المدينة ووجوههم تطفح بالبشر بما نالوا من خير، وقلوبهم ترقص طربا بما نفحهم الحق سبحانه من نوره، من نعمة الإيمان ونور الهدى.
كان يوم أحد - يوم تلك الغزوة التي كاد أن يقضى فيها على المسلمين - فأظهرت نسيبة - رضوان الله عليها - من رباط الجأش والاستبسال في القتال ما لم يكن للأبطال المذاويد من فرسان العرب المغاوير.
فقد التحم الجيشان وكانت الدائرة - أول الأمر - على المشركين فمال المسلمون على الغنائم وشغلتهم الأسلاب؛ فتجمع المشركون ثانية وزحفوا عليهم زحفة أطارتهم كل مطار ولم يبق حول رسول الله إلا نفر قليل فيهم أبو بكر وعمر وعلي وسعد وطلحة والزبير ونسيبة هذه وزوجها وابناها. وما رأت نسيبة دم المصطفى يسيل على وجهه، ورباعيته قد كسرت ودخلت حلقة المغفر في رأسه حتى طرحت قربتها التي كانت تسقي منها العطاش وانتضت مهندا تقاتل دون الرسول ببسالة وإقدام فائقين حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيها (ما التفت يمينا وشمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني).
ولقد جرح ابنها عمارة في عضده اليسرى ضربه رجل كأنه الرقل (النخلة) ومضى عنه فجعل الدم ينزف فقال رسول الله، اعصب جرحك فأقبلت أمه ومعها حقائب في حقويها قد أعدتها للجراح - والنبي واقف ينظر فضمدت جرحه وقالت انهض بني فضارب القوم! فجعل النبي يقول (ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة) وإذا بضارب ابنها يظهر فقال المصطفى (هذا ضارب ابنك) فاعترضت له وضربت ساقه فبرك فابتسم الرسول وقال (استقدت يا أم عمارة) ثم أخذت تعل الرجل بالسلاح حتى أتت عليه. فقال الرسول (الحمد