للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محمد بك المويلحي]

للأستاذ عبد العزيز البشري

قبل أن أتحدث عن هذا الرجل الذي يجب أن يتحدث عنه مدونو تاريخ الأدب العربي في العصر الحديث - قبل هذا أحب أن أقول في هذا الباب شيئاً عاماً. ذلك بأننا اعتدنا أن نغفل الكلام في سيرة من عاصرناهم، ورأيناهم ولابسناهم، إلا يكون القول من جنس هذه المراثي التي تضفي فيها حلل الثناء، ويكال فيها المديح في العادة، بغير حساب. ولقد يكون هذا الثناء حقاً أو قريباً من الحق، بحيث لا يؤذي التاريخ في كثير ولا قليل، ولكنه لا يمكن أن يجلو على الأجيال المستقبلة شيئاً من حقيقة الرجل، لأن الكاتبين في هذه الحالة لا يعنون ببسط حياة الرجل، وظواهر خلاله، والعوامل البارزة في تكوينه، ومطبوع عادته، ولو ما يتصل منها بالأسباب العامة. وذلك من أيسر الأمور لأنهم عرفوه بالمشاهدة، واستيقنوه بالملابسة وطول الاختيار. وهذا ولا شك مما يهيئ للقادمين دراسته وتحليله دراسة إن لم تنته إلى أصدق النتائج، فهي أدنى إلى الصدق من غيرها على كل حال.

وليس يذهب عن القارئ إن إهمال المعاصرين، على هذا النحو، لابد مفضٍ إلى إحدى الحالين: إما إلى إدراج كثيرين من رجال الآداب والفنون في مطاوي النسيان، أو التحيف من أقدارهم بقدر كثير أو قليل؛ وإما إلى تجليتهم، إذا تراخى الزمان في غير صورهم، ونحلهم صفاتٍ وخلالاً لم تكن لهم، بحكم العنعنة في رواية الأخبار، والاتكاء في تحليل نفس الرجل على ما صدر عنه من آثار. وكثيراً ما يضل الباحث المستنتج في هذا أبعد الضلال. هذا إلى ما في معاناة مثل تلك البحوث من إضاعة للوقت، ونفقة من الجهد، وتجشم للعناء.

وأغلب الظن في هذه الإغفال من المعاصرين لمن عاصروهم من رجال الفنون والآداب يرجع إلى أن الرجل العظيم قل أن يراه معاصروه بالعين التي يراه بها الخالفون، فهو في الغالب إذا استحق منهم ترديد ذكره والهتاف باسمه، وتدوين سيرته، فقل أن يعني أحد يتقصى عادته، والتسلل إلى مداخله، وعرض ما يلابس الأسباب العامة من سائر أموره، أو لأنهم لا يعنون بهذا لأنه حاضر لمعاصريه قريب منهم. فهو في حكم المبذول الذي ينال منه من شاء أن ينال. ولا شك أن في هذا ضرباً من الغفلة عن أن الحاضر سيغيب على

<<  <  ج:
ص:  >  >>