بين تخوِّن الظروف وطغيان الحوادث، عدا الموت قبل سبع سنين على نابغة البيان العربي في عصره، فطويت صفحة المغفور له الشيخ عبد العزيز البشري بعد ما أمضّه المرض الوجيع وأضناه حقبة من السنين.
وإذ قضى الشيخ البشري في مارس من عام ١٩٤٣، كانت المجزرة العالمية ما تبرح طامية صاخبة، تفرّق المنايا باليمين والشمال، وتلعق الدم بالأيدي والأرجل جميعاً، ومن ثم مضى شيخنا إلى برزخه غير مذكور إلا من قلة عرفوا فضله ولم يجحدوه، ودرسوا أدبه ولم يجتووه.
ويوم مات أستاذنا لم ترسل في تمجيده المقالات الضافية، ولا القصائد الباكية، لا عن كنود ولا عن نكران، وإنما هي (الاستحالة المادية) التي جاءت بها تلك الحرب الزبون فحدّت من حجم الصحف وصيرتها أشبه ما تكون بنشرات عسكرية تكاد تكون مقصورة على أنباء المعارك وأخبار الانتصارات والهزائم!
وكذلك كان البشري هو الأديب المصري الواحد - إذا لم تخن الذاكرة - الذي لم يعقد له حفل تأبين يتوافى إليه أصُدقائه ليرسلوا فيه المقال شعراً ونثراً. وما بنا أن نرد هذا إلى قصور أو إهمال، فالعذر القائم إنما ينصب على الحرب وويلاتها، فالحرب هي التي جنت على الشيخ البشري يوم وفاته، وهي التي جنت على ذكراه فغدا اليوم في المنسيين، وضاع في أطوار الزمن أدبه الرفيع، وذهبت أصداء تلك الضحكات التي تكاد تخلع الأشداق إذ يرسل دعاباته ومفاكهاته بأسلوبه الذي لا يُبارى.
عرفت البشري عن كثبُ وصادقته زماناً إذا قيس إلى العمر الإنساني عد طويلاً، وكان بيننا في الإسكندرية جيرة قريبة، ومن خلال مجاورتي لهذا الرجل عرفت الكثير عن أديب من أدباء العربية الذين قل أن يجود بمثلهم الزمان.
كان رحمه الله من حواريي المدرسة الأدبية المحافظة التي نشأت في أعقاب الثورة العرابية، تأثر أكثر ما تأثر بأسلوب المرحوم إبراهيم المويلحي بك، ثم بأسلوب ابنه محمد