للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٤. على ضفاف القناة:]

وجوه كالحة

للأستاذ عبد الحفيظ أبو السعود

مساكين أبناء مدن القناة الثلاث - بور سعيد والإسماعيلية والسويس - وبخاصة أبناء مدينة الإسماعيلية. . التي كتب الله على أبنائها أن يتجرعوا الغصص أليمة حادة، ذلك لأنهم يرون دائما وجوه أعدائهم الألداء، هذه الوجوه الكاحلة، التي سئم كل مصري النظر إليها، وضقنا بها وبأبنائها ذرعا، وكدنا نيأس حكومة وشعبا من معرفة طريق الخلاص والقضاء على هؤلاء الاستعماريين (الكلاب) - كما يدعوهم آية الله كاشاني - وأدركنا إلى أي حد يجحد هؤلاء الغاصبون حقوقنا، ويعبثون بمصالحنا وآمالنا، ويسخرون بأمانينا الوطنية التي يجب أن نبذل في سبيل تحقيقها، والحصول عليها، كل مرتخص وغال، فأينما سرت في هذه المدينة البائسة لا تجد غير هؤلاء الإنجليز، يروحون ويجيئون في كل وقت من الأوقات ليلا ونهارا، يتسكعون هنا وهناك في برود وصفاقة، وكأنهم يسيرون في أوطانهم، ويجوبون رحابها آمنين مطمئنين، هادئين وادعين. كأنه ليس بيننا وبينهم عداء مستحكم الحلقات، ولا قضية مطروحة في المحافل الدولية إلى الآن؟ ولست أدري لماذا يأمن الإنجليز جانب المصريين إلى هذا الحد العجيب، فنراهم يعيشون في أحيائهم الإفرنجية بالمدينة، ويشاركون المصريين في الأحياء الوطنية، ويسيرون بين المصريين كأنهم من أبناء جلدتهم؟ فهل معنى ذلك أنهم يعتقدون أننا هازلون في مطالبنا، غير جادين في قضيتنا وجهادنا؟!

إن منظر الجندي الإنجليزي يسير في مدينة الإسماعيلية بالذات يؤلمني إلى حد كبير، كما يؤلم كل وطني غيور، لأنه يحمل معني التحدي الجارح لكرامة المصري، وشعوره وعزته، فهو يسير مترفعا متعاليا، في صلف وكبرياء، مقيتة لعينة، شأنه في ذلك شأن العملاق المتغطرس الذي ينظر في ازدراء وضيع إلى أقزام هزيلة الجسوم، جائعة البطون؛ عارية الأبدان، وهو لهذا لا يأبه بمن أمامه من المصريين، ولا يبالي بما يأتي من جرائم، ويقتل من أرواح، فقلما يخلو يوم من حوادث السيارات الإنجليزية التي تجوب المدينة على الدوام، وبلا انقطاع، والتي تقف أمام دور السينما والمحلات العامة وفي الحدائق، وتزدحم

<<  <  ج:
ص:  >  >>