أعجب العصور في تاريخ الإنسان كله هو عصرنا الذي نحن فيه، ولا سيما هذا النصف الأول من القرن العشرين.
لك أن تلغي التاريخ كله مكتفياً بهذه السنين الأربعين أو الخمسين، لأنك واجد على اليقين مائة عبرة مكان كل عبرة تلغيها من تلك التواريخ الغابرة، ولأنك على يقين وأجدها أضعافاً مضاعفة، في القوة والكثرة والدلالة والوضوح.
لقد كانت السنون ينقضي في تواريخ الماضين عشراً بعد عشر، ومائة بعد مائة، بل ألفاً بعد ألف في بعض الأحايين، قبل أن يظهر للعالم رجل خطير يضطلع بأعباء حادث خطير، أو قبل أن تقام دولة وتسقط دولة، وقبل أن تنجلي للأبصار والبصائر بواعث القيام ودواعي السقوط.
أما اليوم فقيام الدول وسقوطها من أنباء الصباح والمساء، واختلاف العبر وتقلبات المقادير من ذكريات العمر الواحد الذي لم يتجاوز الثلاثين، ومسرح القدر كريم بالمآسي والملهيات يعرضها خمساً خمساً أو عشراً عشراً في وقت واحد، فلا يفوتك فصل هنا إلا عوضته بفصول هناك، ولا تذكر خيال يوربيبد وأرستفان وسفوكليس واسكايلاس وشسكبير إلا تلقيت حولك من نسج الواقع روايات مشهودة تفوق كل خيال.
موسوليني من بيت الحداد، إلى أزقة جنيف، إلى مظاهرات ميلان، إلى دست الحكم في روما القياصرة، إلى الصولة على العالم كله وهو في شرفات قصر البندقية يقعقع بالسلاح فيرتجف الأقوياء والضعفاء، ويحمدون الله على السلامة إذا انقضى ذلك الدعاء بغير النيران والدماء.
وموسوليني أيضاً من محب السلام يلقى بنفسه أمام القطار ليعوق حركة الجنود التي تغزو طرابلس، إلى مسعر للحرب لا يقوم ولا يقعد في حكمه إلا بثمانية ملايين من الحراب! وألوف الألوف من صرعى البلاد والخراب!
ثم موسوليني هو هو بعينه هارباً يتسلل على أبواب التخوم لا يزال يطمع في الحياة بما بقي له من سبائك الذهب وسلوى الغرام، ثم يفوته هذا المطمع الذليل فإذا هو معلق من