للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١٠ - بين المعري ودانتي]

في رسالة الغفران والكوميدية المقدسة

بقلم محمود أحمد النشوي

تحدثنا معك في المقال الماضي عن ابن القارح، وتوسله بالسيدة فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان من أمر هذا التوسل والأذن له بدخول الجنة

والآن ماذا صنع ابن القارح؟ أنه تعلق بركاب سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى بلغ الصراط، وأشير إليه بأن اعْبرْهُ، فلما وجد نفسه لا يستمسك قالت الزهراء لجارية من جواريها يا فلانة أجيزيه. فجعلت هذه تمارسه وهو يتساقط عن يمين وشمال، فقال لها: يا هذه إن أردت سلامتي فاستعملي معي قول القائل:

ست إن أعياك أمري ... فاحمليني زقفونه

فقالت: وما زقفونه؟!

فقال أن يطرح الإنسان يديه على كتف الآخر ويمسك بيديه ويحمله وبطنه إلى ظهره، أما سمعت بقول الجلجلول من أهل (كفر طاب)

صلحت حالتي إلى الخلف حتى ... صرت أمشي إلى الورى زقفونه

فقالت: ما سمعت بزقفونه، ولا الجلجول، ولا كفر طاب إلا الساعة!!!

ثم تحمله وتمر به كالبرق الخاطف حتى يبلغ الجنة، فيمنعه رضوان طالبا منه جواز المرور، فيطلب ابن القارح ورقة من صفصاف الجنة ليرجع بها إلى الموقف، ويأخذ عليها الجواز، ولكن رضوان يأبى عليه هذا، فيقول ابن القارح أنا لله وأنا إليه راجعون، لو أن للأمير أبي المرجي خازناً مثلك، ما وصلت أنا ولا غيري إلى قرقوفمن خزانته.

ولا يطول بينهما الحوار، حتى يرجع إليه إبراهيم عليه السلام فيجذبه جذبة شديدة يحصله بها في الجنة. . . أفرأيت إذاً كيف كان سبيل المعري إلى الفردوس مليئاً بالدعابة وبالمرح حين سقوط صك التوبة من ابن القارح، وحين تدخله في فض النزاع بين أبي على الفارسي ومشاجريه، وفى دعابته مع الجارية، وهو على الصراط في أحرج المواقف وأدقها. فهل كان طريق دانتي كطريق المعري، كله دعابة وظرف؟ لا. فقد كان طريق دانتي على العكس من طريق المعري، آلام وأوصاب، وأهوال وعذاب. . . لقد كان طريق

<<  <  ج:
ص:  >  >>