أعتقد أنني أنصف الأستاذ العقاد وأختار اختياراً عادلاً إذ أقتبس الفقرات التالية من مناقشته لردى السابق، فأحاول مناقشتها فيما يأتي من هذه الكلمة. قال الأستاذ:
(ومن طرائف المناقشات أن تأتي هذه المناقشة من الأستاذ أديب عباسي تعقيباً لما أسلفنا في مقال الحدود الحاسمة الذي قلنا فيه إننا قد نستغني في الحدود والتعريفات عن الإحصاء والاستقصاء لما هو معلوم غني عن البيان من ضرورة الاستثناء في كل قاعدة. فإذا قال الإنسان إن النهار مضيء وإن الليل مظلم فليس من الواجب بعد ذلك أن يحصي أيام الغيم ولا الأغوار المحجوبة التي تظلم بالليل والنهار)
(فقد حدثت كشوف جغرافية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ولكنها كلها لا تخرج عن المتممات التي تأتي بعد الفراغ من الأسس والأركان واستقرار البناء على نظامه الأخير)
(فلما انتهت كشوف القرن السابع عشر انتهى الخلاف في الأشكال والظواهر وانفتح المجال للبحث في الحقائق والبواطن أو لمعرفة الإنسان نفساً بعد أن عرفناه تركيباً ووضعناه في موضعه من عالم الأحياء الظاهرين)
(ولقد ذكر الأستاذ (أديب) كشوف الكواكب وكشوف الذرة وأمواج الأثير. . . التي حدثت بعد القرن السابع عشر ولا تزال تحدث في هذه الأيام)
(ولكن ما شأن هذه الكشوف وما نحن فيه؟ وأين هي من الحاسة الاجتماعية التي تعلق بها القصص وأبطال الرواية وأبطال السياحات. . .؟)
قلت أخشى أن يجرنا الخوف من (الحدود الحاسمة) إلى الترخص في الدقة العلمية والضبط الفكري وهما السمتان اللتان تتسم بهما اليوم جميع مباحث العلم وكثير من مباحث الأدب والفلسفة أيضاً. نحن لا ننكر أنه يجب أن يُستغنى في الحدود والتعريفات عن الإحصاء والاستقصاء - كما يرغب الأستاذ العقاد - فلا نعير الاستثناء بالاً كبيراً، ولكن على شرط ألا يبلغ هذا الاستثناء الحد الذي ينقلب التعريف عنده أو الحد من الضد إلى الضد
فما قول الأستاذ إذا صارحناه أن هذه الاكتشافات الجغرافية التي جاءت (بعد الفراغ من