وأية علاقة بين توت عنخ آمون والدستور؟ قد تكون الجمع بين النقيضين: قديم مغرق في القدم يبعث الدهش والعجب، وحديث طريف تمت إليه النهضات بسبب، وقد تكون إخبار توت عنخ بأروع ما جد في مصر بعد تلك الحقب، وقد تكون غير ذلك، ولكنها على أي حال ليست بالعلاقة القوية التي تتداعى لها المعاني وتتوافى الخواطر، فلم يبق إلا أنها نزعة أصيلة في نفس شوقي إلى الدستور يتلمس للتصريح بها معارض القول، فيشيد بفضل الدستور في هداية الأمم وحياتها.
يحدث شوقي توت عنخ في شماتة بدثور حكم الفرد، وغبور عهد الظلم، ويفخر عليه بأنه في عصر الشورى والحرية وسلطان الرأي العام على الرعاة والحكام، وكأنما هجس في قلب شوقي أن توت عنخ قد يجد في خضوع الملوك لشعوبهم غضاضة أو انتقاصاً من سلطتهم وأبهتهم، فبدره بأن الملك فؤاد أجل منه في قلوب شعبه المتمتع بالدستور؛ على إنه أشرف بنعمة الإسلام.
وكأنه وازن مجد مصر في عهد توت عنخ واتساع ملكها ومناعتها وبأسها بحالها في عهد فؤاد، فرجح الدستور وحده ما مضى، وانه لشرف للدستور أن يرجح عند الموازنة، وشرف للملك فؤاد أن يفوق في المفاضلة والمقارنة.
وينتقل إلى أثر الدستور في إعزاز الرعاة والرعية، فيبين في فخامة وضخامة وجلال أن قوة الملوك وسلطانهم وحبهم، إنما يكفلها الحكم النيابي وحده لهم، وأنه لا استقلال لمصر ما لم يمضه الدستور وحكم الشورى، لأنه يجمع رواد الأمة وزعماءها في ناد واحد يتحاجون ويقترحون ويراقبون، وإذا لم ينعقد مجلس النواب فقلوبهم شتى، نجد الحوادث وهم يلهثون، وأمور مصر فوضى وإن وليها الخلفاء الراشدون