أحب أن يتسع صدر (الرسالة) لموضوع لم يكتب فيه الباحثون من قبلُ: وهو نقد خطاب العرش من الوجهة الأدبية
وأسارع فأذكِّر القرّاء بأن هذا الموضوع لا يحتاج إلى تحفظ وإحتراس، لأن خطاب العرش ليس من إنشاء جلالة الملك، وإن كان يُلقى باسمه الكريم، وإنما هو إنشاء رئيس الوزراء، وهو الذي يحاسَب عليه أمام الشيوخ والنواب، بآية ما نشهد من تأليف اللجان البرلمانية للرد عليه، في حدود قد تصل أحياناً إلى الصرامة والعنف، وقد تعرِّض الوزارة إلى تعديل بعض النصوص أو تستقيل
ولعل هذا هو السرّ في أن جلالة الملك لا ُيلقى خطاب العرش بنفسه كما يصنع حين يتفضل بتوجيه الرأي والتحية إلى شعبه في فواتح الأعوام وفي المواسم والأعياد
وخطاب العرش في التاريخ الحديث يشبه العهود التي كانت تُكتب بأسماء الخلفاء في التاريخ القديم، ونحن نعرف أن كُتّاب (العهود) كانوا يُسألون عما يقع فيها من خطأ أو إسراف، لأنه كان مفهوماً أن الخلفاء لا يكتبون بأنفسهم تلك العهود، ولذلك تفاصيل يضيق عنها هذا المقال، وهي معروفة لجميع المطلّعين على تاريخ الحضارة الإسلامية
إن خطاب العرش من إنشاء رئيس الوزراء، ولكنه يُلقَى باسم جلالة الملك: فمن الواجب أن يكون صورة رائعة من الوثائق الأدبية التي تمثل عظمة مصر لهذا العهد، فهل كان كذلك؟
إن صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا من رجال مصر المعدودين، وهو في أنفُس خصومه أهلٌ للتبجيل، فمن حقنا عليه ونحن نؤمن بكفايته الذاتية أن نطمع في أن يمنح خطاب العرش عناية خاصة من الوجهة الأدبية ليكون في نَسَق مع مطامحهِ العالية في خدمة البلاد، وليكون في طراز مع الخطب الجيدة التي كان يلقيها يوم كان وزيراً للمعارف في سنة ١٩٢٥
وقد يمكن الاعتذار عن خطاب العرش بأنهُ خلاصة لآراء تصل إلى الرياسة عن مختلف