ينظر المهيمنون على شؤون التعليم نظرة إشفاق على المستوى الجامعي الذي أخذ ينحدر شيئاً فشيئاً - في مختلف كليات الجامعات - حتى أوشك أن يهبط إلى الحضيض، وتتضح هذه الحقيقة المؤلمة حين تجلس مع طالب في السنة الأولى بإحدى كليات الجامعة، وطالب آخر قد أتم سنواته الجامعية، فلن تجد فرقاً واضحاً بين التفكير العلمي لدى الطالبين، فكلاهما يشترك مع طلبة المدارس الثانوية في تلقين الدروس، وكتابة المذكرات وحشو الذهن بالمواد المتزاحمة، دون أن تتسع لديه البصيرة النافذة، والتمييز الدقيق، ودون أن تفيده الجامعة ما ينبغي أن يتمتع به من التفكير السليم، والاستنتاج العلمي المرتكز على قواعد من البحث والتعليل، ودون أن تخلع عليه الجامعة روح الابتكار والشمول المستوعب لدقائق الموضوع، مما يدفع بك إلى التساؤل عن سر هذه النكبات المتلاحقة التي أخذت ترصع الجامعيين، وتسد أمامهم الطريق
ونحن نلقي التبعة دائماً على السياسة الحزبية التي صرفت الطلاب عن واجبهم العلمي، وقذفت بهم إلى الجج من الفوضى والاستهتار، وهذا حق لا مريه فيه، ولكن الحق أيضاً أن نذكر نصيب الأساتذة في هذه التبعة الفادحة، فلا نجبن عن إعلان دروهم الرئيسي في تمثيل هذه المسرحية الحزينة، دون أن نقيم أي اعتبار لغير الصدق الذي لا يعدم النصير!
لقد كانت جامعة فؤاد الأول منذ أعوام حافلة بذخيرة ثمينة من الأساتذة الذين يتبوءون مناصبهم العلمية عن جدارة واستحقاق، وكانت مع ذلك تستقدم من أساتذة أوربا أعلام يدوي صيتهم العلمي في أنحاء العالم، فيقومون بتوجيه الطلاب أكمل توجيه، وينمو على أيديهم غرس زاهر يؤتي الثمر ويمد الظلال، ثم أنشئت جامعتا فاروق وإبراهيم - وسينشأ غيرها من الجامعات - فأخذ ولاة الأمور يبحثون عن أساتذة يملئون الفراغ بجدارة مشرفة، فلا يجدون غير أساتذة الجامعة الأولى فتخطفتهم الجامعات تخطفاً غير عادل، دون أن يكملوا النقص الشاسع المديد، واضطر المهيمنون على الجامعات أن ينشروا الإعلانات في الصحف باحثين عن مدرسين أو مساعدين يقضون حاجات المعامل والفصول والمدرجات،