منذ بضعة أسابيع أدى صاحب الجلالة الملك صلاة الجمعة في مسجد من مساجد الإسكندرية على عادته المحمودة، فلما انتهت الصلاة نهض جلالته، فهتف باسمه الناس، فأشار إليهم جلالته بيده أن كفوا، ومال على أحد العلماء، وهمس في أذنه أن بيوت الله للعبادة لا لهذا، ولذكر الخالق لا للذكر المخلوق.
وفي جمعة أخرى أمر واحداً من رجال حاشيته، فأعطى الإمام عشرين جنيهاً لخدم المسجد، فتناولها الإمام شاكراً، داعياً؛ وكان للمسجد خادمان فنقد كلا منهما عشرة، واتصل الخبر بجلالة الملك، وعلم أن الإمام حرم نفسه، فدعاه إليه وكلمه في هذا، فقال الرجل: إني خطيب وإمام لا خادم، وقد أعطيت المال لأفرقه على الخدم ففعلت وأمضيت مشيئة مولاي. فسرت جلالته عفةُ الرجل وأمانته تقواه وأجزل له الثواب.
ولجلالته عناية بأن يعرف على أي وجه تنفذ أوامره. حدث في منتصف أغسطس أن حضر جلالته حفلة تمصير شركة البواخر الخديوية، فطاف بالباخرة (محمد علي الكبير) ولاحظ أن المدخنة لونها أحمر، فالتفت إلى عبود باشا وقال إنه يؤثر أن يكون لونها أخضر، فقال عبود باشا:(حباً وكرامة، سيكون ما شاء مولاي) فقال جلالته وهو يبتسم: (سأسأل عن المدخنة ولونها).
ويذكر القراء أن وزير الأوقاف السابق وقف مرة في البرلمان يرد على سؤال عن الأزهر ورثاثة فرشه، فكان مما قاله - وظهر أنه كذب - أن طلبة الأزهر يقطعون السجاجيد ويأخذون ما يقتطعون منها لفرش مساكنهم. وقد هاج الأزهر وماج لهذا، وكتب الشيخ الأكبر الأستاذ المراغي إلى وزير الأوقاف يومئذ يبين له أن الموظفين الذين أمدوه بهذه المزاعم كذبوا عليه وغشوه، ويطلب منه أن يحقق مع المسئولين عن هذه الأكاذيب والتشنيعات، ولكن الوزير طوي الأمر لسبب ما، ولم يعن بالتحقيق الذي كان واجباً.
وكأنما عز على جلالة الملك أن يكون الأزهر بهذه الرثاثة، وأن تضن عليه وزارة الأوقاف بالفرش اللائق، وأن يقول وزيرها السابق ما قال في طلبة هذا المعهد الإسلامي العالمي الذي لم يبق على عيده الألفي إلا القليل، ولكن الحكمة والأناة شعار الملوك، فقد سكت