للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[واحة كفرة]

كيف احتلها الطليان وفتكوا بأهلها سنة ١٩٣٠

(كيف وأن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة)

(سورة التوبة)

للأستاذ أحمد رمزي

إني من القوم الذين يؤمنون بأن مصر بلادنا هي قلب العروبة. هذا ما ناديت به، وكنت أول من أذاعه من راديو الشرق أيام الانتداب الفرنسي، وأعتقد أن موقع مصر بين بلاد العرب في الجزيرة وبلاد العرب في شمال أفريقية وجنوبي وادي النيل، يجعل لها هذه الميزة، ويحتم عليها أن تحمل الأمانة التي عجز عنها غيرها، وأعتقد أن تاريخ مصر في عهدها العربي قد ألقى هذه الرسالة على المصريين، ولذلك اتجهت أنظارهم وآمالهم نحو هذه البلاد الشقيقة المحيطة بهم، وكلما مرت الأيام ازدادت النفوس اطمئنانا لمصر، وتقاربت القلوب وتماسكت واتجهت نحو حياة جديدة. ونحن الذين نشأنا على هذه العقيدة قد أشربت نفوسنا محبة هذه البقاع وتاريخها.

ومن بين دروس الماضي المملوءة بالذكريات، لا أجد درساً أشد وقعاً على نفسي، وإيلاما لها من درس احتلال الكفرة وما حل بها، يوم خرج أهلوها من أوطانهم وهم يعدون بالمئات خشية بطش الطليان وفتكهم، فأخذتهم الصحراء وماتوا في سبيل الله.

وواحة كفرة معقل من معاقل الإسلام والعروبة، في هذه الصحراء الكبرى الممتدة من وادي النيل إلى مياه المحيط، ذلك الجزء من العالم، الذي كان بوتقة تختمر فيها الدعوات والحركات الشعبية؛ التي إذا قامت اكتسحت في وجهها كل شيء، فلا تصمد أمامها الحصون ولا الأسوار، ولا تردها الممالك ولا الجيوش، ولا تقف البحار بينها وبين الفتوح، ففيها قامت دعوة أبي عبد الله الشيعي، مؤسس قواعد الملك للخلافة الفاطمية، فكان من أمرهم ما كان، ملك يطاول ملك الشمس، لا تزال آثارهم باقية ظاهرة واضحة في هذه القاهرة المعزية، التي احتضنت العروبة والإسلام لألف عام، والتي أصبحت اليوم موطن العروبة ومقر الجامعة العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>