بعد أن كتبت الكلمة التي حملت إلى قراء (الرسالة) الخبر المصم، والنعي الكارث، نعي فقيد الأدب العظيم الأستاذ طه الراوي جاءتني هذه (الرسالة) من الأستاذ حسن حبشي مدرس التاريخ بمدرسة المعلمين العالية ببغداد، وكنت حملته بطاقة إلى الأستاذ الكبير رحمه الله، فقابله قبل وفاته بيوم واحد.
وهي اسطر قيمتها بأنها تتحدث عن الأستاذ في آخر حياتة، وتحمل إلى أصدقائه من أواخر نفحاته.
قال الأستاذ حبشي:
(ما كنت أبلغ عاصمة الرشيد حتى توجهت يوم السبت إلى الأستاذ طه بك الراوي وكنت قد بعثت ببطاقتكم إليه مع الأستاذ جميل سعيد، وقد رحب بي الرجل أجمل ترحيب، وسألني أن أحدثه عنكم، إذ هو مشتاق إلى الوقوف على أخباركم، وقال إنه يعتب عليكم في أنكم لا تجيئون العراق، مع أنه قد ألح عليكم من قبل، وكان حاضراً المجلس الدكتور مصطفى جواد وأنبأني أنه سيكتب إليكم.
ولكن العجيب يا أستاذي أن هذا الأديب الكريم كان ممتلئاً صحة، وكان دليل العافية بادية عليه، لا تلمح به أثراً أو جهد أو تعب، ولكن انقضى اليوم الثاني حتى وافانا نعيه فكان الرزء فيه عظيما. وأي خطب للأدب والدين في العراق اجل من أن يختطف الموت طه الراوي وقد كان ملء السمع والبصر، وكانت جنازته جنازة دلت على مكانته، فقد شيعه كبار القوم ببغداد، وعارفو فضله وأدبه، على الرغم من أن المدة بين نعيه وبين تشيعه إلى لحده لم تتجاوز خمس ساعات.
فإن يكن قد كتب إليك فذلك اخرما كتب، كما أن رسالتك التي حملتني إياها كانت آخر ما تسلم، ولا أستطيع يا أستاذي أن أصور لك مبلغ حبه لك مما بدا في حديثه معي ومع سائر زواره في ذلك اليوم، وإنني لأرجو أن يفسح الله له في جناته بقدر خدمته للأدب والعروبة والدين).