قرأت في العدد ٧٨٦ من مجلة الرسالة الغراء، مقال الأستاذ الفاضل محمود الشرقاوي، تحت هذا العنوان؛ واعتقد أن كل من قرأ هذا المقال القيم قد أحس بروح الكاتب القوية تفيض غيرة على الأزهر، وحرصا على أن يأخذ هذا المعهد حظه اللائق به، ويتبوأ مكان الصدارة في هذا الوجود.
وأعتقد أيضا أن حياء الأستاذ الشرقاوي الجم، الذي هو خلق أصيل في طبعه، هو الذي جعله يحسب للقراء من الأزهريين كل هذا الحساب، حتى افترض على ألسنتهم كل هذه الاعتراضات وظن أن كل جملة في مقاله، بل كل كلمة وكل حرف، سيسأل عنها ب (ماذا، ولمه).
ولكنه رغم كل هذا الحياء المتأصل في طبعه، ورغم توقعه أن يسأل عن كل حرف في مقاله ب (ماذا، ولمه)، لم يطق صبرا على الصمت، وفي نفسه لواعج الغيرة تحتدم، ونوازع الشوق الملح إلى إصلاح الأزهر تضطرم، فأرسلها عالية مدوية، صريحة معلنة (إن الأزهر لم يصلح، وإن بينه وبين الإصلاح شأوا بعيدا وبونا واسعا ومرحلة طويلة جداً) و (. . . إن الحديث عن الإصلاح في الأزهر حديث لا يصغي إليه أحد، ولا يستغل به أحد من قريب ولا من بعيد).
ولعل الأستاذ الشرقاوي مبالغ في كل هذا الحذر، وفي اعتقاده أن كلماته الواضحة الصريحة التي تفيض إخلاصا وغيره، ستصرف عن ظاهرها، وسيطلب لها سر باطن، مغال في حكمه بأن الحديث عن الإصلاح في الأزهر، لا يصغي إليه أحد، ولا يستغل به أحد، من قريب ولا من بعيد؛ فمن الأزهريين كثير من المعنيين بالإصلاح في الأزهر؛ يجاهدون ما وسعهم الجهد، لإفساح المجال فيه لسياسة علمية صحيحة، ولست أدعي أنهم نجحوا في محاولتهم، ولكنهم دائبون حريصون. ومن الأزهريين كثير من المشغوفين بالحديث عن الإصلاح في الأزهر، حتى أصبح شغلهم الشاغل، وهمهم الذي يتذاكرونه في غدوهم ورواحهم، وفي خلواتهم ومجتمعاتهم، ولهم في هذه السبيل نشاط مشكور.