للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أقصوصة عراقية:]

رصاصة في الفضاء

(عن كتاب (الدفتر الأزرق) للكاتب، الذي سوف يطبع وينشر

في المستقبل القريب)

بقلم محمود. ا. السيد

- ١ -

حادثة غريبة حدثت في مرقص الهلال في بغداد

كان أول من استقر عليه نظري في ذلك المرقص، ليلة حدثت هذه الحادثة التي أروي لكم، وهي من ليالي صيف ١٩٢٨، ثلاثة حسبتهم من طلبة المدارس العليا أو صغار الكتبة في الدواوين؛ على مقربة منى يقصفون وينظرون إلى من حولهم من النظارة مستكبرين، ناقدين المرسح نقد راغب في إصلاحه: إصلاح الرقص الخليع فيه والغناء المحزن القديم

وكان النظارة تجارا صغارا وذوي حرف، وعمالا، رأيتهم أخوانا متقابلين في حلقات صغيرة من الكراسي الخيزرانية حول موائد مربعة مكسوة بقماش الكتان؛ تفعم كل مائدة منها أطباق النقل والأقداح وزجاجات الخمور، وأنوار المصابيح الكهربائية المعلقة فوق رؤوسهم، الملونة بألوان العلم العراقي، تبدد الظلام. . .

وكان (جماعة) من الشباب (العوام الأريحيين)، ذوي العباءات الرقيقة السوداء التي تشف عما تحتها، والعمائم (العصفورية) المرقشة باللون الأزرق، يتراشقون بالنكات والفكاهات من وراء حوض مبلط بالقاشاني الأحمر كائن في وسط المرقص تجلله الأعلام وسعف النخيل، وأصواتهم وكلماتهم الشعبية الظريفة تثير الضحك، وتحي في نفوسه القوم اللذة والسرور

وكانت الراقصة المغنية الأولى، تلقي فاتحة الأغاني، التي أعدت للقوم في تلك الليلة - وهي عامية مشجية - جذلى، أو متظاهرة بالجذل، واثقة بنفسها كما كان يبدو من حركاتها، معتقدة بأنها تجيد الغناء. ثم أنشدت هذه الأبيات من الشعر الشعبي الجديد:

(عن قص الشعر لاتلومونا ... والوقت هذي فنونه)

<<  <  ج:
ص:  >  >>