قال أبو مُعاوية الضرير: وكنتُ في الطريق إلى دار الشيخ أرَوِّىء في الأمر وأمتحنُ مذاهبَ الرأي وأقلبها على وجوهها، وأنظرُ كيف أحتالُ في تأليف ما تنافرَ من الشيخ وزوجته؛ فان الذي يَسفرُ بين رجلٍ وامرأته إنما يمشي بفكره بين قلبين، فهو مُطْفيء نائرةٍ أو مُسْعرُها، إذ لا يضع بين القلبين إلا حُمقَه أو كياسته وهو لن يرد المرأة إلى الرأي إلا إذا طاف على وجهها بالضحك، وعلى قلبها بالخجل، وعلى نفسها بالرقة، وكان حكيماً في كل ذلك؛ فان عقلَ المرأة مع الرجل عقلٌ بعيدٌ، يجيء من وراء نفسها، من وراء قلبها، وجعلتُ أنظرُ ما الذي يُفسدُ محل الشيخ من زوجته، ومثلتُ بينه وبينها، فما أخرج لي التفكيرُ إلا أن حسن خلُقه معها دائما هو الذي يستدعي منها سوء الخُلقِ أحياناً؛ فان الشيخ كما ورد في وصف المؤمن:(هينٌ لينٌ كالجمل الأنف، إن قِيدَ انقادَ، وإن أنيخ على صخرة استناخ) والمرأةُ لا تكون امرأةً حتى تطلبَ في الرجل أشياءَ: منها أن تحبه بأسباب كثيرة من أسباب الحب؛ ومنها أن تخافه بأسباب يسيرة من أسباب الخوف. فإذا هي أحبته الحب كله ولم تخف منه شيئاً وطال سكونه وسكونها، نفرت طبيعتها نفرةً كأنها تُنخيه وتذمره ليكون معها رجلاً فيخفيها الخوف الذي تستكملُ به لذةَ حبها، إذ كان ضعفها يحب فيما يحبه من الرجل أن يَقسو عليه الرجلُ في الوقت بعد الوقت، لا ليؤذيه ولكن ليُخضِعَه، والآمرُ الذي لا يُخف إذا عُصى أمره هو الذي لا يعبأ به إذا أطيع أمره
وكأن المرأةَ تحتاج طبيعتها أحياناً إلى مصائبَ خفيفةٍ تؤذي برقة أو تمر بالأذى من غير أن تلمسها به لتتحركَ في طبيعتها معاني دموعها من غير دموعها؛ فان طال ركودُ هذه الطبيعة أوجدت هي لنفسها مصائبها الخفيفةَ فكان الزوج أحدها. . . .
وهذا كله غير الجُرْأة والبَذَاءِ فيمن يُبغضن أزواجَهن، فان المرأة إذا فركت زوجها لمنافرة الطبيعة بينها وبينه، مات ضعفها الأنثَوِيُّ الذي يتم به جمالها واستمتاعها والاستمتاع بها، وتعقد بذلك لينُها أو تصلب أو استخجر، فتكون مع الرجل بخلاف طبيعتها فيتقلب سكرها النسائي بأنوثتها الجميلة عربدة وخلافاً وشراً وصخباً، ويخرج كلامها للرجل وهو من