طلع الصباح، فاتجهت الأنظار إلى جبل أحد، كأنما كانت الشمس هي الأخرى تشير إليه بأشعتها الحامية، وها هي أم عمارة تدلف في همة ونشاط، ومعها سقاء فيه ماء لسقي الجرحى، ولما أحتدم الضراب، أخذ الناس يولون، ولكن أم عمارة كانت ممن ثبتت مع النبي، ومعها زوجها وأختها وولداها حبيب وعبد الله، كلهم يتلقى النبال وهي تتهاوى كالبروق على رسول الله، فلا يخلص منها شيء.
هذه أم عمارة بقامتها المديدة، والعصائب في حقويها، وسقاء الماء بين قدميها، والقوس بين يديها، ومسلمة يصوب إليها سهماً يصيب يدها، فينزف الدم، ويتلفت النبي إلى عبد الله ابن زيد ويقول: أمك أمك!
ولكنها تمضي إلى الكنانة المنثورة أمامها فترمي سهماً بعد سهم غير عابئة بجرحها هذا، ويعينها أبنها عبد الله على قتل عدو الله مسلمة، وينسى عبد الله جرحه الذي لا يرقأ دمه، وبحسبه أن قد ظفره الله بعدوه، وعدو دينه، ورد كيده في نحره لم يخلص أذاه إلى نبي الله، ويظل عبد الله يتلقى السهام، فيراه النبي، والنزيف منه لا ينقطع فيقول له: اعصب جرحك يا عبد الله.
وبلغ الإعياء من عبد الله مبلغا عجيبا، فقد غلبه جرحه حتى برك كالجمل، وعمدت إليه أمه، ونزعت من حقويها عصابة، وضمدت جرحه، وأخذت بذراعه وهي تقول: انهض بني فضارب القوم.
وتتلفت يمنة يسرة، وعلى ملامح وجهها لهفة إلى ترس تتخذها هدفاً لنبال العدو دفاعاً عن رسول الله، والناس ينفضون منهزمين يولون الأدبار، وإذا برجل في الراجعين وترسه معه فيقول له النبي: