كانت اللغة العربية في عصر من عصورها مجمع الثقافات، وملتقى المدنيات، ومنتهى الألسن؛ وكان الأدب العربي في حدود مراميه التعبير العام عن خوالج الإنسانية في أكثر بقاع الأرض، لأن الإسلام الذي جمع قلوب الأمم على قرانه، جمع ألسنتهم على لسانه، فلم تكن هناك فكرة تجول في ذهن كاتب، ولا صورة تتمثل في خاطر شاعر، إلا وجدت في هذا الخضم المحيط صدفة تستقر فيها. فلما تحولت عن مذاهبه الأنهار، وجفت على جوانبه الروافد، عاد كالبحيرة المحدودة الراكدة، لا يمدها إلا قطرات المطر ودفعات السيل في الحين بعد الحين. فإذا أردنا لأدبنا أن يتسع في حاضره كما اتسع في ماضيه، فليس لنا اليوم غير سبيل الأمس: نرفده بآداب الأمم الأجنبية، ونطعمه بأنواع الفنون الأدبية، ونصله بتيار الأفكار الحديثة، ونخلي بينه وبين الحرية ليزدهر وينتشر ويساهم الآداب العالمية في تبليغ رسالة الجمال والخير والحق.
ذلك كلام يدخل في بدائه العقل لوضوحه، ويجري في قوانين الطبع لضرورته؛ فإذا عدنا إليه فإنما نعود لنحتال في تنفيذه لا لنلح في تعزيزه. وقد رغبنا إلى الحكومة في عدد مضى أن تنشئ دارا للترجمة تنقل آداب الأمم الكبرى نقلاً صحيحاً، ثم تنشرها كما تنشر دار الكتب الأسفار العربية القديمة؛ والأمر في ذاته قريب المنال قليل المؤونة، ولكن رغبة الفرد إلى الحكومة تكون في الغالب أملاً يتنفس به الصدر ولا يتعلق به صدق ولا ظفر. رغبنا إلى الحكومة هذه الرغبة اليائسة وما كنا نعلم أن ترجمة الآداب الغربية على خطة مرسومة هي مشروع في لجنة التأليف والترجمة والنشر قد أنضجت له الرأي ووجَّهت إليه العزيمة. ولجنة التأليف والترجمة والنشر فرقة من فرق الجنود المجهولة، تجاهد في صمت، وتكابد في صبر، وتبذل في إيثار. وقد طوت في جهاد الجهالة اثنتين وعشرين سنة فلم تنخزل عن صعوبة، ولم تنهزم عن تضحية، ولا تزال تضطلع وحدها بحماية الكتاب وقد غلبه على مكانه الطفيليات العابثة من المجلات الهازلة والنشرات الهزيلة.
تريد لجنة التأليف والترجمة والنشر أن تنقل إلى العربية آداب اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، كل أدب منها في عام. وستنتقي لكل أدب عشرة أو أكثر من أعلام