للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وحي عصفورة]

أسطورة الخلود

بقلم أمجد الطرابلسي

مِلتُ إلى روضتي صَباحا ... مُضْطَرمَ الفِكرِ والشجُونِ

ألتمِسُ البِشْرَ والمِراحا ... في مَعرِضِ الحُسنِ والْفُتون

جلَستُ في ظِلِّها ونفْسي ... يَلهو بها جامِحُ الخَيالِ

أُسطِّرُ الحزْنَ فوْقَ طِرْسي ... مُستَوْحِياً رَوْعَةَ الجمالِ

سمِعتُ إذ ذاك صَوْتَ هَمْس ... أتْرَع نَفْسي أسًى وَشَكَّا

عُصفُورةٌ تلكَ فوْقَ رَأْسي ... تمعِنُ بينَ الْغصونِ ضِحكا

تقولُ: هيّا اغْنم الزَّمانا ... فما مَضى منْه لا يَعودُ

قُلتُ: أرَى عَيشَنا هَوانا ... وإنما هَمِّيَ الخلودُ

قالت: بلِ امْرَحِ وَعِشْ طَروبا ... ترجو خلوداً؟ وَما الخلودُ؟

قَصِيدةٌ تَسحَرُ القُلوبا ... أبدَعها شَاعِرٌ مَرِيد

كفَاكَ يا شَاعِري بُكاءً ... لا النَّوْحُ يُغْني ولا الغِنَاءُ

كيْفَ تُرَى تَفْهَمُ البَقاَء ... في عَالَمٍ رَمزهُ الفَناءُ؟

واعجباً! كلهمْ سكارى ... سعَوا إلى الخُلدِ في الفَيافي

وَطَوّفوا فَوْقَها حيَارَى ... وقبْرُهُم غايَةُ المطافِ

رأَوْا ظلاماً أزَالَ صبْحاً ... والدَّهر عفَّى على الجديدِ

والموتْ منْ خلْفهمْ مُلِحّا ... فأبدعوا فِتْنةَ الخُلودِ

أبعدَ أن تأْلفَ الرُّغاما ... وَتَبْتَلي وَحشَةَ اللحُودِ

وتَغْتدي في الثَّرَى رِمَامَا ... تَنعمُ يا صَاحِ بالخُلودِ؟

تَهْزَأُ بالموْتِ والفَناءِ؟ ... وهكذا الجدوَلُ الصغِيرُ

يَحلُمُ بالخُلدِ وَالبْقَاءِ ... وإنما طَبعُه المسِيرُ

يُرَتِّل اللَّحْنَ والنَّشيدا ... في مَوْلدِ اللَّيْلِ أو رَدَاهُ

يَرْجو لألْحَانِهِ خُلودا ... لا الَّلحْنُ يَبْقَى وَلا صَداه

<<  <  ج:
ص:  >  >>