ماذا ترى يصنع رجل يعشق للمرة الأولى في حياة صاخبة مضطربة، ولكنها على كثرة ما جرب فيها خلت من الحب ونجت من زلزلته للنفس؟؟
عن هذا كان يسأل (ميم) - وحسبنا من اسمه حرف واحد - وهو جالس إلى مكتبه، والفتاة التي يحبها قبالته على الشرفة. والجديد من الأمر يتطلب جديداً من التصرف والتدبير، ولو كانت له خبرة بالحب، أو سبق له به عهد، لقاس حاضره على ماضيه، وأجراه في مجاريه. وغريب أن يتقضى شبابه وهو فارغ القلب، وأن يدركه الحب ويعمر فؤاده بعد أن شارف الكهولة ووقف على بابها، واخذ الأبيض يختلط بالأسود، وبدأ الزمن يرسم خطوطه!! وإن كان هو لا يحس شيئاً من ذلك ولا يباليه، ولا يعرف إلا أنه مازال في عنفوان الفتوة
وألقى القلم واضطجع وقال يناجي نفسه، وهو يضحك ساخراً:(هل أصنع كما يصنعون في هذه الروايات الكثيرة التي قرأتها؟ وعلى ذكر ذلك - ماذا ترى أبطال هذه الرواية يصنعون في حالات كهذه؟ لقد نسيت والله! فكأني ما قرأتها ولا وقعت عيني عليها. . . وهبني كنت أذكر ذلك فهل يصح في دنيا الحقيقة ما يصف الخيال؟)
واستطرد من هذا إلى القول بأن الروايات ليست - ولا يمكن أن تكون - خيالاً بحتاً، وشيئاً يخلقه الإنسان من لا شيء، ولا يحور فيه إلى أصل من حقائق الحياة، وأنكر قدرة الإنسان على هذا الخلق، وذهب إلى أن كل ما يسعه هو أن يلفق القصة من جملة ما شهد وجرب وسمع، وأن يكوّن الشخصيات من أشتات ما عرف، فليس القصص خيالاً، ولا ما تصفه محالاً، وإذن يكون تقليدها ميسوراً. . . أو دع كونه ميسوراً أو غير ميسور، وقل أنه لا يكون شططاً
(ولكن القصص يعنى فيها وأضعها بترتيب الأحوال والمواقف على النحو الذي يؤثره هو، والذي يراه أوفق لغايته، ومن عسى يرتب لي دنياي كما يرتب مؤلف القصة دنيا أبطاله؟؟
أم أستشير صديقاً مجرباً؟؟؟ ولكن هذا مخجل!! ثم أن العبرة بنوع استجابة الفرد لوقع الحياة في نفسه؛ والاستجابة تختلف باختلاف الأفراد. والذي يفعله إنسان ما، في موقف ما، ليس من الحتم - ولا من المعقول - أن يفعله كل إنسان في الموقف عينه