وأنت إذا أردت ان تقف لمؤلف عوارف المعارف على رأي خاص في مسألة الروح وجدت أنه لا يستطيع أن يقطع برأي في ذلك إذ هو يرى نفسه إزاء أقوال متناقضة ومذاهب متضاربة لا يكاد الإنسان يأخذ بأحدها حتى يأتي الآخر فينسخ الأول ويزعزع رأيه فيه. ومن هنا كان مؤلفنا أميل ما يكون إلى الإمساك عن القطع برأي في هذه المعضلة. عرض المؤلف بعد ما قدمت لك لمسألة الروح الإنساني وغيره من أنواع الأرواح. وموجز قوله في هذا الصدد هو أن الروح الإنساني العلوي من عالم الأمر. والروح الحيواني البشري من عالم الخلق. وهذا الروح البشري هو محل الروح العلوي ومورده. وهو جسماني لطيف حامل لقوة الحس والحركة. وانه لينبعث من القلب الذي هو عبارة عن هذه المضغة اللحمية الموجودة في الجانب الأيسر من الجسد وينتشر في تجاويف العروق الضوارب، وهذا الروح موجود لدى سائر الحيوانات تفيض منه قوى الحواس، ولورود الروح الإنساني العلوي على هذا الروح الحيواني تجنس الروح الإنساني وباين أرواح الحيوانات الأخرى واكتسب صفة أخرى فصار نفسا محلا للنطق والإلهام. ومن هنا نلاحظ أن النفس الإنسانية تكونت من سكون الروح الإنساني العلوي إلى الروح الحيواني، مثلها في هذا السكون كمثل سكون آدم إلى حواء بحيث نشأ بينهما التآلف والتعاشق.
ومسألة أخرى من تلك المسائل الفلسفية والنفسية حدثنا عنها المؤلف في هذا الباب، واعني بها مسألة العقل ومركزه وآراء الناس في هذا المركز. والناس يختلفون في مركز العقل كما يختلفون في غير العقل من الملكات الباطنية. فمن قائل بأن مركز العقل الدماغ. ومن قائل آخر بأنه القلب. ولعل اختلافهم هذا راجع إلى عدم استقرار العقل وبقائه على نسق واحد. فهو ينجذب إلى البار تارة وإلى العاق تارة أخرى. ورد في أخبار داود عليه السلام أنه سأل ابنه سليمان: أي موضع للعقل منك؟ قال: القلب لأنه قالب الروح. والروح قالب الحياة. وقال أبو سعيد القرشي: الروح روحان: روح الحياة، وروح الممات. فإذا اجتمعا عقل الجسم. وروح الممات هي التي إذا خرجت من الجسد صار الحي ميتا. وروح الحياة هي ما به مجاري الأنفاس وقوة الأكل والشرب وغيرهما. وقال بعضهم (الروح نسيم طيب