للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خواطر وأفكار]

للأستاذ أديب عباسي

يغلب أن يسيطر على الحياة في كلا عنصريها من السعادة والشقاء قانون المرجحات العام الذي يسيطر على جميع حوادث الطبيعة ويسير بها جميعاً، كلما امتد الزمن وتوالى الحدوث، إلى التعادل والاستواء، وما نرى من فروق شاسعة بين حظوظ الناس من السعادة والشقاء سببه - فيما نرى - قصر مدى التجربة والاختبار. واعتقد انه لو أتتيح للأحياء من الناس عمر أطول أو لو كانت أمواج السعادة والشقاء وأصداء اللذة والألم اقل لبثاً واقصر مكثاً، لتداني من التعادل نصيب كل امرئ من حظي السعادة والشقاء.

حياة كل امرئ (متوالية) من الآمال والآلام والأحلام والأعمال ولست بمستطيع أن تجرد الحياة حلقة واحدة من هذه الحلقات: الآمال تثير الآلام والأحلام، والأحلام لابد مفضية في نهاية الأمر إلى الأعمال، والأعمال بدورها تبتعث آمالاً جديدة، والأمل الجديد يثور آلاماً وأحلاماً جديدة، وهكذا تظل تدور بين حدين من الأمل والعمل يتوسطهما واسطان هما ما نألم وما نحلم إلى أن تتلمأ علينا القبور، وترص علينا الجنادل والصخور.

ليس مما يُنقص قيمة العمل الطيب أن يكون حاديه ورائده اللذة منشودةً أو حاصلةً، بل نحن نعتقد أن من مصلحة الأخلاق، ومن الخير العميم للناس أن يتعلم الناس كيف يستشعرون السعادة ويتذوقون الغبطة في العمل الطيب بدءاً وختاماً، حساً وخيالاً.

كذلك نعتقد أن من مصلحة الأخلاق ونشر الفضيلة وتعميم الصلاح أن يشعر المرء أن عمل الخير مجزي عليه في هذه الحياة الدنيا، وأن ليس على المرء يصنع الخير أن ينتظر إلى اليوم الأخير ليثاب على عمله الصالح وينال جزاء ما قدم من خير وأسلف من صلاح.

يكاد يكون الإحساس بالحق ونصرة العدل من فطرة البشر ومن هنا نرانا - في الأحوال العادية - نهلل للعدل ونمقت الجور، سواء أكنا نحن المعنيين بالجور أم كان المعنى غيرنا.

من غرائب الطباع أمرؤ يثني عليك بما أنت أهله أو بما لست أهلاً له، ثم تراه لغير سبب واضح أو علة مقبولة ينقلب عليك، ولا يتعفف أن يهجوك بعكس ما كان يمتدحه فيك! هذا الصنف من الناس هم، في إعتقادي، من المتسولة الجبناء الذين يستجدون امتداح الناس

<<  <  ج:
ص:  >  >>