للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المصري]

مجالس الأدب في القرن الثامن عشر

بدار رضوان بك

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

مما اعتاد الناس سماعه أن يقول قائل: لا حيا الله أيام القرن الثامن عشر في مصر! وقد لا يتورع القائل أن يرمي ذلك العهد بأقبح التهم وأشنع الآراء: فيصفه تارة بالظلم، وتارة بالظلمة؛ وما اكثر ما تسمع الآذان ذكراه مصحوبة بتسمية لاذعة، فلا يقال إلا أنه كان عهد المماليك، أو عهد ظلم العثمانيين. وليس في ذلك عجب، فالناس كانوا قديماُ لا يرون الماضي على حقيقته، فهم إما أن يروه عصراً أعظم من عصرهم لا يستطيع حاضرهم أن يجاريه في شئ، وإما أن يروه عهداً دون عهدهم لا يرضون أن تقاس حال أيامهم به. والأيام كالناس تختلف في الخطوط وتتباين، فكما أن بعض الناس يكتسب من الحمد فوق ما يستحق، وينسب اليه من كريم الخلال ما ليس من طبعه، فذلك الأيام، قد ينعت الناس بعض عصورها بما ليس من طبعه، وينسبون اليه من الفضائل أكثر مما يجدر به، وكما أن بعض الناس قد يسلب جزاه، وتجحد حسنته، وينكر فضله، فكذلك قد يظلم التاريخ عهداً من العهود، فلا يقر له بفضل، ولا يحجم في وصفه عن تهمة، ولا يتعرض له بالأذى: ولقد كان عصر أمراء المصرين من هذه العصور المظلومة التي جحد التاريخ فضلها، وأذاع مثالبها، واخفى مناقبها، وصورها صورة مشوهة بغيضة. ولسنا بسبيل بيان الأسباب التي حملت التاريخ على ذلك الظلم، ولكنا نكتفي بأن نقول إن الأحياء قد يكون لهم نفع من اتهام الاموات، وقد يعود بعض الخير من الافتراء على الجدود. ولا حاجة بنا إلى التطويل في دفع هذا الاتهام ولا في دفع هذا الافتراء، فما في هذه الإطالة تحقيق للقصد. وحسبنا أن نصف مجلساً أدبياً في بعض هذه الأيام الماضية، وللقارئ أن يحكم من هذا الوصف إذا كانت تلك الأيام الغابرة جديرة بما يصفها به المتهمون المفترون:

كانت أمور مصر في منتصف القرن الثامن عشر قد خلصت إلى اثنين من الزعماء: أحدهما الأمير ابراهيم، والآخر الأمير رضوان. وقد أصبحا صاحبي الأمر في البلاد لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>