الحلاج هو الحسين بن منصور من أهل البيضاه، وهي بلدة بفارس، وقد نشأ بواسط من مدن العراق، وصحب أبا القاسم الجنيد وغيره من أكابر المتصوفة. ولم تكن أسرته قديمة عهد بالإسلام، بل كان جده مجوسياً، ومن شأن من يكون حديث عهد بدين أن يأخذ فيه طريق التشدد، فرأى الحلاج أن يأخذ في إسلامه طريق التصوف والزهد، وأن يبالغ فيهما إلى أقصى حد. وقد سار من العراق إلى مكة فأقام بها سنة في الحجر، لا يستظل تحت سقف شتاء ولا صيفاً. وكان يصوم الدهر، فإذا جاء العشاء أحضر له القوام كوز ماء وقرصاً، فيشرب الماء، ويعض من القرص ثلاث عضات من جوانبه فيأكلها ويترك الباقي فيأخذونه، ولا يأكل شيئاً آخر إلى الغد آخر النهار. وكان شيخ الصوفية يومئذ بمكة عبد الله المغربي، فأخذ أصحابه ومشى إلى زيارة الحلاج فلم يجد في الحجر، وقيل له قد صعد إلى جبل أبي قبيس، فصعد إليه فرآه على صخرة حافياً مكشوف الرأس، والعرق يجري منه إلى الأرض، فأخذ أصحابه وعاد ولم يكلمه، وقال: هذا يتصبر ويتقوى على قضاء الله، سوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقدره
ثم عاد الحلاج إلى بغداد فيضي في إظهار الزهد والتصوف وجعل يظهر الكرامات للناس، فيخرج لهم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمد يده إلى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم قد كتب عليها - قل هو الله أحد - ويسميها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما أكلوه وما صنعوه في بيوتهم ويتكلم بما في ضمائرهم، فافتتن به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول، واختلف الناس في أمره اختلافاً كبيراً فمنهم من قال: إنه حل فيه جزء إلهي، وادعى فيه الربوبية ومنهم من قال: إنه ولي من أولياء الله تعالى، والذي يظهر منه من جملة كرامات الصالحين، ومنهم من قال: إنه مشعبذ وممخرق وساحر كذاب ومتكهن، والجن تطيعه فتأتيه بالفاكهة في غير أوانها
وكان ذلك في عهد المقتدر بالله العباسي ووزيره حامد بن العباس، وقد تتولى له الوزارة بعد أبي الحسن بن الفرات، وكان قبلها يقوم بأعمال واسط، فذكر للمقتدر حاله وسعة نفسه