كانت تلك الليلة شديدة البرد، حالكة الظلام، فجلسنا للعشاء في غرفة فسيحة، بدت لي كمعرض من معارض الحيوانات، فقد كان أبن عمي حريصاً على تعليق كل طير جميل يصطاده على جدران هذه الغرفة بالذات، أو يدليه بالحبال من سقفها!. . حتى أبن عمي بدا لي تلك الليلة، في هيئة غريبة هو الآخر!. . . كان يرتدي معطفاً (جلدياً) سميكاً بدا لي به كواحد من تلك الحيوانات التي تعيش في المناطق المتجمدة الشمالية!
كان أبن عمي - كارل دي روضي - قد دعاني إلى الصيد معه. فلما جلسنا حول المائدة راح يحدثني عن كل الترتيبات والاستعدادات التي دبرها أو أتخذها لهذه الرحلة. . . فعلينا أن نبدأ الرحلة في ساعة مبكرة في فجر اليوم التالي. . . وعلى مسيرة ساعة من هنا أقام أبن عمي كوخاً من قطع الجليد الكبيرة، وأعده لنحتمي به من شدة الزمهرير!
فرك أبن عمي راحتيه، وقال - آه. . . لم أر طول حياتي مثل هذا الجو البارد! ثم أستأذنه، ودلفت إلى فراشي مبكراً، وما كدت أستقر بين أحضان الفراش الدافئة، حتى نمت نوماً عميقاً هادئاً ولم أستيقظ إلا على يد أبن عمي ووجهه الأحمر، والفجر لما يطلع بعد.
وسرنا أنا وأبن عمي وكلابه، نتبع رجلاً استأجره أبن عمي لحمل الصيد وما كدنا نخرج من البيت حتى شعرت بالرياح تلطم وجهي بشدة، وأحسست بالبرد يسري في أوصالي. وكانت الطيور الصغيرة تتهاوى إلى الأرض، وهي جثث هامدة جامدة!
كنا نسير، أنا وأبن عمي جنباً إلى جنب وقد انحنى ظهرانا، ولاذت بالجيوب أيدينا. . . وكنا قد تأبطنا بنادقنا وسرنا في صمت وسكون. حتى وقع أقدامنا لم يكن يسمع قط، فقد عمدنا إلى لف أقدامنا بالصوف خشية الانزلاق على الجليد. وكنت أتلهى بالنظر إلى مياه النهر المتجمدة، والى البخار الكثيف المتصاعد من أنوف الكلاب.