تواعَد السّفْرُ ميدانَ إبراهيم صباح الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة ١٣٥٨ - (٢١ يناير سنة ١٩٤٠)، ووقفنا على مصر الجديدة ريثما يركب الرفقاء الذين يقطنون هناك. ثم سار ركبنا في سيارات ست يؤم السويس، وليس في طريق السويس ما يتحدث عنه إلا بقايا المنارات التي كانت على طريق البريد.
ولما بلغنا السويس تواعدنا أن نلتقي عند منتهى الترعة الإسماعيلية بعد أن تتزود السيارات وسائقوها بما يحتاجون إليه من المدينة. وكان السائقون كلهم من هذه المدينة وممن خبروا طرق سيناء.
فارقنا المدينة ظهراً، فوقفنا بعد قليل عند معبر القناة ريثما قدمنا الأوراق والصور التي تبين أشخاصنا ووجهتنا، ثم عبرنا. وكان الغداء قد حان، فرأينا أن نتزود للبيداء فتفرقنا يأكل كل واحد زاده. . . ولست أقول قول أبي العتاهية:
قد رمى المهدي ظبياً ... شق بالسهم فؤاده
وعلي بن سليما ... ن رمى كلباً فصاده
فهنيئاً لهما كل ... امرئ يأكل زاده
وهي الوجبة الواحدة التي لم يجتمع عليها السفر. وكنا استثنيناها تعجلاً للمسير، فاتفقنا على أن يأتي كل مسافر بالغداء في اليوم الأول.
وكان في اختلاف الأطعمة مثار لأسئلة: ماذا عندك يا فلان؟ وماذا تأكل يا فلان؟ وكان أكثر الناس تطلعاً إلى السؤال بعض رجال التاريخ. وذكرني هذا قول أبي الطيب:
وكثير من السؤال اشتياق ... وكثير من ردّه تعليل
تهيأنا للمسير، وصفر دليل الركب الدكتور حزين إيذاناً بالسير فلم نهيب إقدامنا على مجاهل سيناء وسلوك طريق بني إسرائيل، لأن الطريق مطروقة، والأمن شامل، والزاد موفور، والسيارات ضمينة بإبلاغنا غايتنا قبل الغروب. . .
سرنا صوب الجنوب فسايرنا القناة حيناً، ثم خليج السويس حتى حالت بيننا وبينه التلال.