من ذا الذي يستطيع أن يرد على الناس إيمانهم (بالقيم) العظيمة التي تعمر الوجود؛ وكانت تعمر القلوب إلى ما قبل هذا العصر المادي، عصر زوال الحدود وكثير من الفروق القديمة بين الأشياء والأمور؟ إنها رسالة المخلصين للحياة لرد الإيمان بالحياة نفسها إلى قلوب أوشكت أن تفقد إحساسها بالحياة. . .
إن الكون العظيم قائم على نِسَبٍ ثابتة، وحدود واضحة بين الجمال والقبح، والصحة والفساد، والنظام والفوضى، وكانت عقول الناس وطباعهم متأثرة بما في طبيعة الكون من هذه النسب والحدود. لا تحاول طمسها بفلسفتها، ولا تغييرها بمقدرتها العلمية؛ لان الكون المادي ظل في قوالبه القديمة وحدوده الجامدة، لا يستطيع الناس الخلط بينها إلى أن أتى هذا العصر الذي زالت فيه الكثير من الحدود والمسافات بين الأشياء والأمكنة فزالت الحدود كذلك بين الخير والشر والجمال والقبح أو خيل للناس أنها زالت، واتسع مدى الخلط والتأويل، لأن رجال الأخلاق لم يسايروا المنطق العصري فيجعلوا الحكم النفسي على (قيم) الأمور متمشيا مع الفهم العلمي الجديد لها. وهذا كله نتيجة لتخلف الروح تخلفا بعيدا عن سيرة الحياة المادية وقد صار الناس لا يتذوقون الأشياء المادية تذوقا روحيا يضفي عليها ظلال التأويل، ويخلع عليها لونا من حياة القلوب نفسها فيخرجها في هالة روحية وطاقة نفسية.
خذ أمثلة: الانتقال السريع بالطيران، والاتصال الخاطف باللاسلكي، والمقدرة الساحقة بالكهرباء والفولاذ والقوى الذرية. . إنها أعمال واقعية الآن، وكانت إلى ما قبيل الربع الأول من هذا القرن أحلاما إنسانية خالدة لا تقترب من خيال الناس إلا حيث يدور حديث الآلهة والكائنات القادرة التي تتصل بالآلهة. . . والتي لا سدود ولا قيود في عالمها.
والآن بعد أن صارت هذه الأعمال من أعمال الإنسان ابن العجز القديم، صار يفعلها وهو في ذهول عن (قيمة) ما يفعل، كأنها لم تكن يوما ما أحلاما عن عالم الآلهة! وإني اعتقد أن أزمات الحياة الآن ناشئة عن هذا الذهول الشنيع الناشئ من إهمال الوعاظ والأخلاقيين والمربين أن يحملوا هذه المقدرة الإنسانية الأخيرة مجالا عظيما من مجالات الوعظ