عرفته في المدرسة فتى وسيم الطلعة، صبوح الوجه، حيي الطبع، هادئ النفس، فتوددت إليه واكتسبت صداقته
عرفت من خصاله العبوسة والخشونة والتجهم والغضب كما عرفت منها الطيبة والسلاسة والصدق والوفاء.
كان تارة عنيف الحركة حتى الجنون، وطوراً ساكناً كأنه غارق فيها!
عرف معلموه فيه الإقدام بدون تردد، والأحجام بغير سبب، وعرفوا فيه الاندفاع نحو تحقيق رغباته وإرضاء ميوله وبداوته، كما عرفوا فيه الانصراف عنها كأن ليس له رغبات ولا ميول وبداوات!
تسرعوا فسموه (المتناقض) ثم اعتدلوا فأطلقوا عليه أسم (ذي الحدين) الأقصى والأدنى.
كان انكبابه على الدرس، ودقته في المحافظة على الواجب يثيران إعجاب المعلمين به وغيرة رفاقه منه، كما كان توقفه عن الدرس، وإضرابه عن تلقيه بدون سبب، وانتفاضه على الواجب، وتمرده على العلم، وقيامه على النظام، مدعاة للدهشة والاستغراب.
كنا تلميذين متلازمين متجاورين، يفضي كل منا لصاحبه بطوية نفسه ودخيلة أمره، إلا أني كنت ألمح فيه حرصاً على دفن سر شاغل خطير يكتمه عني في أعماق نفسه تفضحه نظراته الحزينة الباكية الذابلة.
كان (ذو الحدين) خشناً في لعبه، بريئاً في تعبيره عن خواطره كالأطفال، صدوفاً عن المعاشرة، مستغرقاً في الوحدة والانفراد كالنساك، وكانت بسماته النادرة حلوة كالجمال الصامت في مظهر عروس ترملت بُعيد الزواج
ما كان أقرب نفسه إلى الرضا والطمأنينة والبشر عندما يكون في المدرسة بين دروسه وفروضه ورفاقه، وكم كان يفارقه مرح النفس وغبطة الروح عندما يعود إلى البيت إذ كان