الطابور الخامس! لفظتان تنطويان على كل معاني الإرهاب والقسوة والفظاظة والغدر والخيانة، وتعيد إلى الأذهان تلك المآسي التي كان يمثلها ديوان التفتيش في القرون المتوسطة.
الطابور الخامس هو الخطر العصري الذي يهدد المدنية الحاضرة والأمم الديمقراطية والشرائع الحرة التي كتبت بدماء الألوف من أحرار البشر، بل هي عصابة هائلة تبثها الحكومة النازية في كل أنحاء العالم لتلقي الفساد وتذرع الفتن، وتنخر كيان الأمم بأساليب شريرة لم يعهدها العالم المتمدن؛ فالنازية والطابور الخامس اسمان مترادفان لمسمى واحد.
كان هدف هتلر في أول أمره أن يستولي على الحكم في ألمانيا ويعدم كل الأحزاب السياسية الألمانية (وكان عددها يومئذ ٣٦ حزباً) التي لا تعتنق المبادئ النازية. وكانت النازية قبل أن يسيطر هتلر على ألمانيا حزباً سياسياً عادياً اعتمدت لبلوغ مأربها خطتين: القوة والدعاية، فطفقت تنفيذاً للخطة الأولى تتسلح سراً وتعدُّ عُدتها لليوم المنتظر، وأنشأت تنفيذاً للخطة الأولى (معهداً) كبيراً للدعاية والتمويه والتضليل، ثم لتخريج طلاب الغدر والخيانة والفتك، وهم المعروفون اليوم بأعضاء الطابور الخامس.
قسم هتلر بعد ما استتب له الأمر أنصاره ورجال حزيه إلى فئات ثلاث: الأولى مؤلفة من أنصاره وأصدقائه الخلص الذين يعرفون أفكاره وغاياته الخفية، وهم: هيس، جورينج، جوبلز، هملر، ستريشر، بُهل، فون ريبنتروب، داره، روزنبرج. والثانية مؤلفة من أشخاص لا يعرفون إلا شيئاً من أفكاره وخططه، ولكنهم مرشحون للانضمام إلى الفئة الأولى. والثالثة مؤلفة من رجال مصلحة التقصي الألمانية، ومن عصابة (الجستابو) التي يديرها (هملر). وليس في الفئات الثلاث إلا عدد ضئيل من ذوي المراتب العالية في الجيش.
ولكل من هذه الفئات مهمة خاصة؛ فمهمة الفئة الأولى إنشاء مذهب جنسي أساسه تفوق الجنس الجرماني الآري على سائر الأجناس البشرية لنبل أصله وشرف محتده، وتأليف ألمانيا الكبيرة التي يجب أن تسود العالم. ومهمة الفئة الثانية تنفيذ خطط الأولى في ألمانيا وخارجها بالدعاية والجاسوسية وغيرهما من الأساليب التي يكل عنها الوصف، كأن توهم أحياناً أنها ناقمة على النازية لكي تقف على الرأي العام فيها وتعرف البيئات التي