عاد من غرفة مدير المدرسة يتأبط مجموعة للكتابة ومسطرة وقلم رصاص، وكان بجانبه في المقعد تلميذ ظريف مداعب يحب مداعبته دائماً، وما كاد يلج الصف ويجلس مكانه على المقعد حتى فاجأه هذا الرفيق (الدعوب) يقول له:
- هنيئاً لكم معشر التلاميذ اللاجئين الفلسطينيين هذه المنح والأعطيات والهدايا التي تقدم إليكم مجاناً الفينة بعد الفينة، ونحن ننظر بأعيننا دون أن يصل إلينا مثل الذي يصل إليكم. .
فمن كتب مدرسية إلى أقلام ودفاتر وماحيات وحرامات للتدفئة وسراويل وصداري). . . ثم إلى آخر ما هنالك من حاجات تبهج الفؤاد وتقر العين وتثلج الصدر. فلماذا لم يوزعوا علينا مثلها؟ ألسنا تلاميذ مثلكم، نتعلم كما تتعلمون، وندرس كما تدرسون. . وكان هذا الحار يتكلم والبسمة لا تفارق شفتيه القرمزيتين زيادة في الدعابة، فحسبه صديقه جاداً في قوله، وليس من عادته أن يركبه بمثل هذه الدعابة التي أثرت في نفسه تأثيراً عميقاً، فرجع بالذاكرة إلى الماضي القريب كيف كان يدفع إليه مثل هذه الهنوات المدرسية ليوزعها على فقراء الطلاب في مدرسته الأولى قبل أن يغادرها مجلياً مشرداً طريداً، فطفرت من مقلتيه الدموع حارة على المصير السيئ الذي انتهى إليه، ثم نظر إلى رفيقه نظرة عتاب وسلامة، بيد أن صديقه ما قصد بقوله ذاك سوى الدعابة والمباسطة والإيناس ليدخل إلى روع صديقه أن قبول الهدايا لا ضير فيه ولا عار، وأنها لو قدمت إليه نفسه على شرف والده وثرائه وغناه لما استنكف عن قبولها، لكن هذا اللاجئ حسب أنه جاد لا هازل فقال له فيما قال:
- أتحسدوننا على هذه الحاجات التي لا تعدل شيئاً في نظرنا، وقد تركنا الأطيان والأموال والحلي والرياش والمتاع والعقار. . وخرجنا من بلادنا حفاة عراة لا نلوي على شيء. .
وما هذه العطايا التي تعتبرونها هدايا لنا إلا كالهبات ومسليات لنا عن مصابنا الأليم الفادح، فو الله لا آخذها ولن أقبل شيئاً منها بعد الآن. .
وهنا أخذت الحدة مأخذها من الطفل اللاجئ الذي لا يتجاوز تحصيله السنة الثانية من سني