سكن الكون، فما في الكون إلا همسات. . . من حديث النجم أو بث المحبين الشكاة. . . ينفثون الآهة الحرى، ويلقون السهاد. . . وينادون محبيهم فهل يدري محبوهم نداءً؟. . . ويثور الدمع في أجفانهم فيضاً غزيراً. . . أترى يدرك ذلك الذين تطفر الدموع من أجلهم، وتتمتم الشفاه بالحنين إليهم، وينبض القلب بذكرهم المستطاب؟!
سكن الكون، فثارت وحدتي تتلوى. . . وتذكرت العهود الزاهرات النضر. . . وتراءت من أمامي صور من الماضي القريب. ويحها من صور! فتنهدت حزيناً أسفاً، وتمنيت لها منصرفاً؛ وذرفت الدمع هتاناً إذ وجدت في الدمع خفوت السورة، وبرودة الثورة، وبعض العزاء
. . . وصمت الليل، كأنما كان يعد على الناس أنفاسهم المتصاعدة. . . وقد أووا إلى فرشتهم الدافئة، يجدون فيها الهدوء، وينعمون فيها بالدفء. . . ويحسون أنهم يرتعون في أحضان الأبوة، وفي سماحة الأمومة، وفي جمال القرابة الدانية
ودقت الساعة الثانية عشرة، وانبعثت ضرباتها على صفحة الأفق الساكنة. . . كأنما كانت اثنتي عشرة قطرة من الماء تنصب على قطعة من الصفيح اللامع، فيكون لها بريق متلألئ كهذا الصدى الموغل في جوف الظلام البعيد
وامتد رواق الليل كما يمتد حنين إنسان غريب. . . يدثر الماضي ليجد فيه الذكرى، ويتطلع إلى المستقبل ليفسح فيه فرجة الأمل. . . كذلك كان رواق الليل، لا يحتجزه حد ولا يقهره سلطان، ولا يقف من دونه عائق. . . كما لا يحتجز الحنين سلوى ولا يقهره ضر، ولا تقف من دونه الدنيا بكل صورها وألوانها
إلا هذه النجوم. . . لقد كانت في منجاة ومأمن. . . لكأن عالمها الحلو، وشعاعاتها المتراقصة تكيد لليل وتتحداه. . . وكأنما هي في أنوارها الحنون تبعث في نفوس المحبين الولهى الأضواء الطروب. . .
سيظل هذا الحنين المتصل يهفو حول الأمل الناعم، ويغرد في حفافيه الندية. . . وينثر