للأستاذ محمد احمد الغمراوي. أستاذ الكيمياء بكلية الطب
- ١ -
في منجم
كانت ليلة السبت ١٨ فبراير سنة ١٨٧٨ موعد انعقاد الجمعية الطبيعية الكيميائية في الكلية، وكان المقرر أن يذهب أعضاؤها لزيارة منجم فخم على بعد ميلين أو ثلاثة من نوتنجهام. فبعد أن تناولنا الشاي بالكلية خرجنا ومعنا الرئيس الأستاذ بارتن فركبنا الترام إلى المنجم، وهناك وجدنا بعض رجاله ينتظروننا، فقيل لنا أنه لا بد من أن يحمل كل منا مصباحا يستضيء به، وقادونا إلى غرفة المصابيح أو بالأحرى مخزنها، وقد ذكرني حين دخلته بمخزن القناديل في مسجد البلد أيام كان المسجد يضاء بالقناديل، فقد كانت رائحة الزيت المحترق تفوح من المصابيح الموقدة المصفوفة. وكان كل مصباح عبارة عن فتيلة داخل اسطوانة قصيرة من الزجاج متصلة من أعلاها بمخروط ناقص من شبك الحديد، يظاهره مثله من صفائح النحاس، وهذا ينتهي بحلقة يحمل منها المصباح تلتقي عندها أسلاك تتصل بالقاعدة وتصون زجاجتها. هذا هو مصباح (دافي) اخترعه السير (همفري دافي) لأول مرة سنة ١٨١٥ وهو على بساطته جم النفع، لأن شبكته الحديدية تحول بين اللهب: لهب المصباح (أو لهب ما قد يدخله من غازات ربما تصاعدت من شقوق يصيبها العامل في اقتطاعه الفحم) وبين أن يمتد إلى ما قد يخالط هواء المنجم من غاز قابل للالتهاب، فيحترق دفعة واحدة فينسف ما حوله. وتلك خاصة من خواص ما شابه الحديد والنحاس من المعادن أنها لسهولة سريان الحرارة فيها إذا لامست غازا ملتهبا أخذت من حرارته ما يكفي لتخفيض درجتها عن درجة الالتهاب، فإذا نفذ الغاز منها إلى خارجها نفذ غير ملتهب.
حمل كل منا مصباحا وذهبنا لننزل المنجم فإذا المنزل إليه فوهتان كأنهما بئران متجاورتان منصوب عليهما قوائم متشابكة من الحديد عظيم حجمها وارتفاعها، تحمل في أعلاها جهازا