للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[لطافة الحس]

للكاتبة الفاضلة (الزهرة)

سألتها وقد جاءت من الدنيا الجديدة في سباحتها الصحفية الأولى، إلى أرض الفراعنة الغر الميامين عن أول ما لفت نظرها؟ فقالت في صراحة القلب وذكاءه، يحن يخاطب قلبا يستمد حياته من دقة الحس ورقة الشعور: شيئان استرعيا اهتمامي يا صديقتي فور أن ضمني واديكم الخصب: الشيخوخة التي تعاجل الشباب عندكم عامة؟ والفتيات خاصة؟، ثم الافتقار إلى شي من لطافة الحس، والدقة في الرقة رغم الحلاوة التي أروى النيل بها شمائلكم، والسماحة التي أدرها لغرائزكم والصفاء الذي أجراه في طبعكم، واللطف الذي مزج به أرواحكم، والاعتدال الذي سوغه لأمزجتكم

فابتسمت في حسرة يخالجها الأسف، ولا يحدوها إلا امتعاض من أن تتلقى النبأ الصحيح على حقه، وتستمع للمقال الصريح على صدقه. . ورويت قليلا وكررت بذاكرتي إلى القرون التي خلت، ولا أدي لماذا رفعت وجهي إلى صاحبي وعاجلتها بذكر نتف من عبقرية (أحمد بن أبي دؤاد) العربي الأيادي، وقلت لها أن أبا العيناء (وهو أبو عبد الله محمد بن القاسم) الضرير، صفية وخدينة (وكان من ظرفاء العالم) كثير ما كان يقول عنه: (ما خرجت من عنده يوما قط فقال يا غلام: خذ بيده، بل قال: يا غلام اخرج معه! وكنت انتقد هذه الكلمة عليه، فلا يخل بها ولا اسمعها من غيره). قات تأميلها كلمة ما يعرف في ألفاظ الناس أرق منها دلالة على يقظة القلب ولطافة الحس. لعل غيره من الناس لو أراد أن يوجه أمثال أبي العيناء إلى طريق الخروج لناله مس من الأذى أليم ورهق من الضرر جسيم)

وتمر العوام، وأذكر قريبي الذي جاءني مساء اليوم وكان مضطربا متألما، ولهذا القريب مسطحات أنيقة من المساكن والعمائر التي أقامها للإيجار، وأنشأ لمؤاجريه في مؤخرتها أفنية فسيحة جميلة يستخدمها لمنافع الخاصة، وكان أحدهما مرجع ما لمحته عليه من الانزعاج والتأثر، قبل أن وافاني بأربع ساعات. وتفصيل الأمر أن كان قد وجه عزيمته على قضاء ساعتين في تنظيم مجموعة من الطرف الفنية التي يعتز بها. وما إن شرع في استعراضها، حتى دق جرس التليفون، وإذا بصوت قاصف يناديه من الناحية الأخرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>