(رسول الحرية إلى قومه، المجاهد الذي أبلى في جهاده مثل
بلاء الأنبياء)
للأستاذ محمود الخفيف
- ٤ -
على أن اليأس لم يعرف سبيلاً إلى قلبه الفتى حتى في مثل تلك المحنة؛ فراح بعد العدة لثورة جديدة يشعل نارها في بيدمنت، ثورة تأتي هذه المرة من الشعب وكان مازيني مختبئ في بيت أحد أصدقائه في مرسيليا إذ راحت الحكومة تطارده هو وأصحابه، فكان لا يخرج إلا تحت ستر الظلام متنكراً حتى لا يقع في يد الشرطة؛ ولما ضاق بسجنه هذا رحل إلى جنيف وأخذ يجمع المال في سويسرا لثورته الجديدة ولقد لاقى في سبيل ذلك من العناء ما لم يخففه على نفسه إلا شرف الغاية التي كان يسعى إلى بلوغها
وأعد في سويسرا من الرجال ألفاً وثمانمائة ليعبروا جبال الألب إلى بيدمنت، وكان يمني نفسه أن ينضم الناس في تلك الولاية إلى هؤلاء المغيرين فتشيع الثورة فيها وتتعداها إلى بقية الولايات، فيبرهن بذلك لشارل ألبرت أن جنده لم يهنوا من بطش أو يستكينوا إلى ما ضرب عليهم من ذلة، واختار لقيادة هؤلاء المجاهدين ضابطاً يدعى رامورينو حارب من قبل تحت راية بونابرت؛ ولكن رامورينو هذا قضى على الحركة بدل أن يسير بها إلى النجاح فلقد تلكأ في الحضور من باريس حيث راح يبدد المال الذي جمعه مازيني درهما إلى درهم؛ ولما حضر سار بجنده وإنه ليخفى في نفسه غير ما يبديه، وكان هؤلاء قد فترت الحماسة في قلوبهم لطول انتظارهم قائدهم، فما لبثوا أن ذهبت ريحهم وباءوا بفشل عظيم. . .
وأحس الغريب اللاغب بالهم والنصب يخترمان جسمه النحيل فسقط من الإعياء قوامه السمهري، وتمدد على فراشه أياماً كاد فيها المرض أن يودي بروحه فيطفئ ذلك السراج الوهاج ولما يؤد رسالته على تمامها