للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣ - حول انهيار فرنسا]

لأستاذ عربي كبير

تتمة ما نشر في العددين السابقين

هذا، وفي آخر الأمر يجب علينا أن نشير - حينما نبحث عن أسباب انهيار فرنسا - إلى سبب آخر، سبب يجب أن يعطي الموقع الأول بين سلسلة الأسباب، بل يجب أن يعتبر السبب الأصلي، بل هو علة العلل. . .

هذا السبب هو علائم بلبلة الآراء وفوضى النزعات التي كانت تسود فرنسا إزاء مظاهر وحدة الكلمة وتراصّ الصفوف التي كانت تميز ألمانيا. . .

لقد دخلت ألمانيا الحرب، وهي متحدة الكلمة، تسير وراء زعيم واحد تثق به ثقة لا حد لها، وتتجه نحو هدف عام يعرفه الكل ويقدسه الجميع. . . في حين أن فرنسا كانت منقسمة على نفسها في معظم أمورها، وقد بلغت فيها الشهوات الحزبية درجة تكاد تتغلب على الفكرة الوطنية، وتعددت الأحزاب تعدداً لا مثيل له في التاريخ، فلم يبق حزب قوي يستطيع أن يضمن الأكثرية ويدعم الحكومة، حتى بالاتفاق مع حزب ثان، فأصبح من المحتم علي كل حكومة تسعى إلى تسيير دفة الأمور أن تتفنن في إجراء ترتيبات معقدة بين عدة أحزاب متخالفة. . .

وبما أن مثل هذه الترتيبات المعقدة تكون عرضة للتغيير السريع بتقلب الظروف، أصبح التوازن الحكومي شبيهاً بالأعمال البهلوانية التي يقوم بها اللاعبون على الحبال

ولا حاجة لبيان تعدد الأحزاب وتنازعها على هذا الوجه كان يفسح مجالاً واسعاً لدسائس النفعيين، ويزعزع ثقة الشعب بالحكومات ويسئ إلى سمعتها إلى حد كبير

وإذا كان تسيير دفة الشؤون بين هذه النزعات المتخالفة من الأمور الممكنة في الأحوال الاعتيادية فلا شك في أنه يصبح من رابع المستحيلات خلال الأزمات الحربية، لأن الحرب تحتاج إلى أعمال منسقة تنسقاً تاماً، ولا سيما في هذا العهد الذي أصبحت فيه الأعمال الحربية غير مقتصرة على الجيوش المحاربة وحدها وغير منحصرة في ساحات القتال وحدها، بل شاملة جميع أبناء الوطن وجميع أقسام البلاد. . . فالبلبلة في الآراء والفوضى في الأعمال من الأمور التي لا يمكن أن تلتئم مع ضرورات الحرب بوجه من

<<  <  ج:
ص:  >  >>