لشد ما راعني من مارتا حين لقيتها أول مرة دمامة وجهها الذي خلعت عليه أربعون عاما شر ما كان لديها.
لقد لاح وجهها آنذاك كما لو أن مثالا مجنونا نحته بأزميل مثلم الحد. وكانت تنوء في دنياها بأنفها الغليظ وجيدها المترهل، ووجهها المعروق الذي برزت فيه عظام خديها وبفمها الواسع العريض. . . على أن عينيها كانت على نحو آخر. فلم يكن ثمة غلو في القول بأنهما على شيء من الحسن - لولا - ما تعبران عنه وتنطقان به من جوع ونهم
وبرغم ذلك كان من العجيب أن لم تتزوج مارتا، فإن فتاة من الفلاحين يتيمه من الصغر تملك حقلا ممرعا وثماني بقرات سمان وزوجي خيل من الفصائل، وكنِّ دجاج واسع يندر أن تبقى بكراً في ريف لا تفيا القديمة، حيث لا يكون الزواج فيها عقداً بين فتى وفتاة وإنما يكون بين حقل وحقل؛ ولكن مارتا لم تتزوج، ولا يبدو أنها معنية بأن تتزوج. على أن عجائز القرية كان لهن - بالطبع - ما يلغطن به. فلقد كن يهمسن بحديث حب كان قبل عشرين عاماً عن فتى وسيم الطلعة من الروس جاء هذا البلد كغيره يسعى لرزقه من جني البطاطس.
ولقد روت لي عجوز درداء منهن ذات يوم حديث مارتا والروسي ذاك، فقالت وقد دلت لهجتها تخفيه لمارتا. . . (. . . لقد شغفها حباً، ثم كان ذلك أن أعلنا خطبتهما. وكان مقدراً أن تزف إليه في عيد القديس ميخائيل لولا أن أصر (بوريس) على أن يرحل إلى أمريكا أولاً؛ فلقد كان يقول إن له أقرباء سراة هناك لا يضنون عليه بالمال إن سمعوا برغبته في زواج صالح، وهذا كما كان يقول سيعينه هو ومارتا على أن يبتاعا الحقول الثلاثة التي تحيط بحقلها والطاحونة التي شاخ راعيها وشح رزقه.